افضل الدين

اشارة

نام كتاب: أفضل الدين- المروءة

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: نجفي، كاشف الغطاء، عباس بن علي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسه كاشف الغطاء العامه

تاريخ نشر: 1425 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: نجف اشرف- عراق

المقدمة

أفضل الدين (المروءة)

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حمداً أبدياً للخالق المتعال الجاعل علي الأعراف رجالًا يعرفون كلًا بسيماهم، و شكراً لمن ميز الأشرار عن الأخيار، و صلواته المتواصلة علي الصادع بالتنزيل السالك بالطبائع سواء السبيل، و علي آله الطيبين الطاهرين المؤسسين لقاعدة الجرح و التعديل بفعلهم الذي بلا بديل و قولهم الذي بلا عديل.

و بعد:

فلما كانت المروءة هي أفضل الدين، سميت بحثي هذا أفضل الدين و ذلك لبيان أن الشريعة المقدسة قد لاحظت العرف و أقرّت الاستقامة العرفية الذي أمر الشارع الأخذ به، و أن المروءة متعلقة بالهداية الفطرية النقية من الكدورات، و مما دعاني لكتابة هذا البحث هو رؤيتي لألسنة الناس و قد لاكت علماء الدين عند ما سقطت السلطة الطاغية بسبب بعض المتعممين المتزينين بزي علماء الدين، الذين قد سلكوا طريقاً يخالف المروءة، و مرقوا عن عرف علماء الدين مما جعل العوام تنتقدهم و تسقطمروء تهم، فأردتُ بيان المروءة، و كيف تحفظ في أواسط علماء الدين و طلاب الحوزة العلمية؟، و كيف تختلف المروءة حسب عناوين المؤمنين و الأماكن و الأزمان؟.

و قد رأيت عند زيارتي لبعض البلدان المسلمة ابتذال المعممين و عدم احترامهم من قبل العوام نتيجة عدم مبالاتهم و سلوكهم و اختلاطهم المبتذل بالعوام، فأصبحت معاملتهم كمعاملة الآخرين.

أفضل الدين - المروءة، ص: 4

فالله اللّه في هذا اللباس و الزي و الحفاظ علي قدسيته و جعله عنوان لمكارم الأخلاق و المروءة التي هي زينة المؤمنين.

لا شك و لا ريب

في أَنَّ ارتكاب خلاف المروءة من قبل المعممين أو المحسوبين علي الحوزة العلمية هو هتك لمقام العلماء و إضرار بسمعة الحوزة العلمية، فإن كل تصرف و سلوك و عمل يعتبر عيباً عرفياً يستلزم نقص مقام العلماء و الإضرار بسمعة الحوزة العلمية، ثمّ إذا كانت المروءة هي أفضل الدين فأولي من يراعيها هم المعممون، فإذا كان المعممون لا يرعون المروءة فمن ذا الذي يرعاها؟.

و الذي يستقرئ الكتب الفقهية يري من حرص الفقهاء علي المحافظة علي المروءة ما يدهش الألباب مراعاة لهذه الخصلة الحميدة حتي أنهم لم يوجبوا طلب الماء ممن عنده في مكان خالٍ منه للوضوء حتي يصلي، و ذلك لصعوبة السؤال علي أهل المروءة، مع العلم أنَّ الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت رُدَّ ما سواها، فأجاز الفقهاء التيمم بدلًا من الوضوء، كما أفتي الفقهاء بوجوب لبس ملابس معينة لوظائف معينة و إلَّا ذهبت المروءة.

و الذي أشاهده في أيامنا التعيسة ممن ينسبون أنفسهم إلي المتدينين أو حماة الدين، و يتظاهرون بشعائر الإسلام ممن ينطبق عليهم قول الرسول (ص): (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت))، قد أصبحوا أعداءً للمروءة بما تحمل هذه الكلمة من معني. و قد كتب القدامي و المحدثون كتباً في المروءة منهم الثقة أبو جعفر الأعرج من القميين، و المولي الثقة عيسي بن موسي بن طلحة بن عبيد اللّه بن السائب من القميين، و الثقة الكوفي محمد بن

أفضل الدين - المروءة، ص: 5

الحسن الصفار (ت: 290 ه) في قم و الحسين بن سعيد كتاب في التجمل و المروءة «1».

و في الختام نسأل اللّه تعالي بجاه من لذنا بجواره مولانا أمير

المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يغير حالنا إلي أحسن حال و أن يجعلنا من أهل المروءة و أن نتخلق بخلق أهل بيت العصمة الذين أذهب اللّه عنهم الرجس، و أن يوفقنا إلي سواء السبيل إنّه سميع مجيب.

و آخر كلامنا الحمد لله أولًا و آخراً

______________________________

(1) رجال النجاشي: 354، 418، رجال العلامة: 89.

أفضل الدين - المروءة، ص: 6

[تعريف المروءة]

المروءة لغة

«1»: المُرُوءة مهموز بضم الميم و الراء مشتق من المرء، و المروءة: كمال الرجولية و الإنسانية، و مرؤ الرجل يمرؤ مروءة أي صار ذا مروءة فهو مري ء علي فعيل، و يقال فلان يتمرأ بنا أي يطلب المروءة بنقصنا و عيبنا، و يقال للرجل القليل المروءة الطوط- بالضم- و ذكر أن البُذم بالضم هي المروءة عن ابن بري بقوله:

يا أم عمران و أخت عثم قد طالما عشت بغير بذم

و قال الجوهري و قد يشدد فيقال مروَّة.

تعريف المروءة اصطلاحاً:

اشارة

عرف الفقهاء المروءة في مقام تعرضهم لتعريف العدالة، و عباراتهم تنصب في معني واحد، و جاءت تعاريفهم بمصاديق المروءة تارة و بذكر خوارم المروءة تارة أخري. و منهم من اعتبرها من الكيفيات النفسانية، و آخرون من الآداب.

أولًا: التعريف بالمصاديق:

1- عرف الأحنف بن قيس المروءة: هي العفة و الحرفة، فتعف عمّا حرم اللّه، و تحترف فيما أحل اللّه «2».

______________________________

(1) كتاب العين: 8/ 299، لسان العرب: 1/ 155، القاموس المحيط: 1/ 28، الصحاح: 1/ 72، تاج العروس: 8/ 197.

(2) شرح نهج البلاغة: 18/ 129.

أفضل الدين - المروءة، ص: 7

2- عن تفسير العياشي قال: خرج الإمام علي (عليه السلام) علي أصحابه و هم يتذاكرون المروءة، فقال: أين أنتم أنسيتم كتاب اللّه و قد ذكر ذلك؟ قالوا يا أمير المؤمنين في أي موضع؟ قال في قوله تعالي: [إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبيٰ وَ يَنْهيٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ] «1» فالعدل و الإحسان هو المروءة «2».

3- هي حفظ الدين و إعزاز النفس و لين الكف و تعهد الضيعة و أداء الحقوق، و في معني آخر لها شح الرجل علي دينه و إصلاحه ماله و قيامه بالحقوق «3».

4- و عرفها المحدث المجلسي بأنها الصفات التي يحق للمرء أن يكون عليها و بها يمتاز عن البهائم و هي الإحسان و اللطف «4».

5- و عرفها عمرو بن عثمان المكي (هي التغافل عن زلل الأخوان) «5».

6- و قيل المروءة (عفة الجوارح عمّا لا يعنيها) «6».

______________________________

(1) سورة النحل، آية: 90.

(2) بحار الأنوار: 71/ 413.

(3) صحيفة الإمام الحسين (عليه السلام): 340.

(4) بحار الأنوار: 71/ 124.

(5) شعب الإيمان: 6/ 330.

(6) المجموع: 1/ 13.

أفضل الدين - المروءة، ص: 8

7- و قيل المروءة هي شيئان:

الإنصاف و التفضل «1»، و قيل هي: كتمان السر و البعد عن الشر «2».

8- و قد توسع بعضهم في تعريف المروءة كما عن محمد بن عليان (بأنه حفظ الدين، و صيانة النفس، و حفظ حرمات المؤمنين، و الجود بالموجود، و قصور الرؤية عنك و عن جميع أفعالك) «3».

ثانياً: التعريف بخوارم المروءة:

الخوارم (The Case Wasafailure): ما ينقص به الشي ء، و خوارم المروءة ما ينقصها.

1- عرفها الأحنف (أن تستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك) «4».

2- جاء في كتاب الدروس بأن المروءة هي تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله كالسخرية و الأكل في الأسواق «5».

3- عن أبي الحسن البوسنجي (ترك استعمال ما هو محرم عليك مع إكرام الكاتبين) «6».

______________________________

(1) معدن الجواهر: 28.

(2) سير أعلام النبلاء: 4/ 93.

(3) حلية الأولياء: 10/ 376.

(4) شرح نهج البلاغة: 16/ 84.

(5) مجمع البحرين: 4/ 186.

(6) حلية الأولياء: 10/ 379.

أفضل الدين - المروءة، ص: 9

4- و عرفها ابن قدامة (اجتناب الأمور الدنيئة المزرية به) «1».

5- و عرفها المقدسي ترك سفاسف الأمور «2».

6- و قال الكاساني المروءة (من لم يطعن عليه في بطن أو فرج. و عند آخر (من لم يعرف عليه جريمته في دينه) «3».

7- و قيل المروءة التحرز عمّا يسخر منه و يضحك به، و قيل هي أن يصون نفسه عن الأدناس و لا يشينها عند الناس «4».

8- المروءة هي (تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثالها) «5».

9- و قال ابن حمزة: (هي اجتناب عما يسقط المروءة من ترك صيانة النفس و فقد المبالاة) «6».

ثالثاً: تعريف المروءة بالغاية:

1- المروءة هي: (اتباع محاسن العادات و اجتناب مساوئها و ما تنفر عنه النفس من المباحات و يؤذن بدناءة النفس و خستها) «7».

______________________________

(1) المغني: 9/ 167.

(2) الشرح الكبير: 4/ 131.

(3) بدائع الصنائع: 6/ 168.

(4) مغني المحتاج: 4/ 431، بحار الأنوار: 61/ 194.

(5) الحدائق الناضرة: 10/ 15.

(6) الوسيلة: 229.

(7) الحدائق الناضرة: 10/ 15، بحار الأنوار: 72/ 168.

أفضل الدين - المروءة، ص: 10

2- هي (آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان علي الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل

العادات) «1».

3- و قال الشهيد الثاني: (هي التخلق بخلق أمثاله و أقرانه في زمانه و مكانه) «2»، و هذا التعريف يمكن مناقشته بأن تخلق بالأمثال و الأقران ما قد يؤدي إلي ما ينافي العدالة إذا كانت منحرفة.

4- و في كشف اللثام: هي هيئة نفسانية تحمل الإنسان علي الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل الأفعال و العادات.

5- هي المحافظة علي فعل ما تركه من المباح يوجب الذم عرفاً و علي ترك ما فعله مباح يوجب ذمه عرفاً «3».

الرأي الراجح

لا شك إن ما ورد من الأخبار في تعريف المروءة فإنها غير مقصودة للفقهاء من لفظ المروءة الذي أخذوه في تعريف العدالة «4»، مضافاً إلي أن تلك الأخبار لا بد من حملها علي التنزيل أو بيان مصاديق المروءة الخفية.

______________________________

(1) مجمع البحرين: 4/ 186.

(2) الزبدة الفقهية: 4/ 16.

(3) مواهب الجليل: 8/ 163، شرح الكبير: 12/ 42.

(4) العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر و عن الإصرار علي الصغائر و عن منافيات المروءة الدالة علي عدم مبالاة مرتكبها بالدين، و يكفي حسن الظاهر الكاشف ظناً عن تلك الملكة. المسند: 17/ 381.

أفضل الدين - المروءة، ص: 11

و بما أن العدالة مطلوبة فيها الاستقامة الشرعية و الاستقامة العرفية فالمروءة هي الاستقامة العرفية. أو هي الاستقامة بحسب الموازين العرفية «1».

الاستقامة العرفية

إن السلوك الاجتماعي العام الذي تواضع عليه المجتمع يولد ضوابط عامة من ثقافية و أخلاقية تحكم الإطار العام للمجتمع و يلتزم بها الأفراد لسببين أساسين:

أحدهما: إن الإنسان بطبعه يميل إلي الألفة و الانسجام مع غيره للفطرة التي فطره اللّه عليها، و لذلك فهو لا يحب أن يخرج عما تواضع عليه مجتمعه من أمور إلَّا أن يكون منحرفاً بطبعه و فطرته، أو يكون متأثراً بعوامل أُخر تحدد من هذا الميل، فهو يتأثر بما يسود مجتمعه من أعراف عامة، و ينعكس هذا التأثير عملياً علي سلوكه و تصرفاته بصورة عامة.

ثانيهما: إن خرق الاستقامة العرفية و عدم الالتزام بها تعتبر حالة تمرد علي المجتمع مما يؤدي إلي رفض هذا المتمرد من قبل مجتمعه و إلحاق الضرر به. و هذا الضرر قد يكون ماديّاً أو معنوياً و الذي تختلف درجته من حالة إلي أخري حيث يكون ذلك عاملًا من عوامل المجتمع المؤثرة علي سلوك الناس بصورة

مباشرة.

______________________________

(1) النور الساطع: 2/ 262.

أفضل الدين - المروءة، ص: 12

إن دراسة المؤشرات المختلفة علي سلوك المجتمع توضح لنا أن تأثير الاستقامة العرفية التي لا تمثل قانوناً و لا شريعة و إن كانت لبعضها أصولًا قانونية أو تشريعية علي سلوك الناس، و قد تكون أشد تأثيراً من أثر القانون و الشريعة في بعض الأحيان، و إن كان للخلفية التي يحملها الإنسان عنها مدخلية في تحديد درجة تأثيرها.

و مع أن تحديد و ضبط السلوك البشري قد أوكل إلي الشريعة في النظرية الإسلامية إلَّا أن الشريعة ذاتها قد اهتمت بالعرف العام نظراً إلي ماله من أهمية خاصة و جعلته أداة لتحقيق الضبط السلوكي للإنسان، و عملت علي إيجاد الأعراف التي تنسجم مع السلوك الذي يراد تربية الإنسان المسلم عليه من قبل الشريعة، و لعل بالإمكان ملاحظة مثل هذا الأمر في بعض الأحكام الشرعية و التي من جملتها حرمة التجاهر بالإفطار في شهر رمضان حتي للمعذور شرعاً كالمريض و المسافر، لأن المتجاهر خرقاً للاستقامة العرفية الذي أريد أن يكون عليه مظهر المسلمين في الشهر المبارك.

و كراهة ارتكاب منافيات المروءة من قبيل الأكل في الطرقات العامة أو الضحك عالياً في أماكن العبادة لأنها خلاف المتعارف بين الناس.

أفضل الدين - المروءة، ص: 13

المروءة من الأحكام العرفية

اشارة

لقد تحصّل مما سبق إن المروءة هي الاستقامة العرفية و بما أن الأحكام العرفية تتغير بتغير الأماكن و الأشخاص و الأزمان، لأن الواقعة المترتبة علي العرف لها عدة و جهات نظر بين العلماء و قلما تنضبط، فيقولون اختلاف في عصر و زمان لا في حجة و برهان.

فالمروءة تتغير باختلاف الأمكنة و الأزمنة و الأشخاص «1»، قال الشهيد الثاني: (و يختلف الأمر باختلاف الأحوال و الأشخاص و الأماكن). لذا

عرف الفقهاء المروءة هو التخلق بخلق أمثاله في زمانه و مكانه. و هذا بخلاف العدالة فإنها لا تختلف باختلاف الأشخاص، فإن الفسق يستوي فيه الشريف و الوضيع بخلاف المروءة فإنها تختلف «2».

أولًا: اختلاف المروءة بحسب الأشخاص:

إنَّ المروءة تزداد كلما ازداد جاه الشخص و عنوانه الكبير في المجتمع، فمثلًا أكل الرجل الاعتيادي في السوق و شربه لا يكون مخالفاً للمروءة، بخلاف القاضي و الفقيه و المسئول الكبير فإنه خلاف المروءة. و كذلك لبس الفقيه لباس الجند من غير داعٍ إلي ذلك خلاف المروءة بينما لبس الفقيه لباس الجند في وقتنا الحاضر

______________________________

(1) الزبدة الفقهية: 4/ 162.

(2) مغني المحتاج: 4/ 431.

أفضل الدين - المروءة، ص: 14

في ساحة المعركة يعتبر من الشرف و الرجولية و الوطنية و الصفات المحمودة.

كما أن لبس القاضي الطيلسان- الجبة- عند قضائه من المروءة، و كشف الرأس و خلع العمامة من رأس العالم الديني دليل علي ذهاب مروءته.

و قد هجا محمد بن أبي بكر معاوية بن أبي سفيان بأبيات ذكر فيها أن معاوية ينازع أهل المروءة، و هذا دليل علي أن أهل المروءة لهم مقام لا ينازعهم عليه أحد، و مدح الإمام علي (عليه السلام) بأنه من أهل المروءة بقوله:

معاوي ما أمسي هو هوي يستقيدني إليك و لا أخفي الذي لا أعالن

إلي أن يقول:

تنازع أسباب المروءة أهلها و في الصدر داء من جوي الغل كامن

«1» و قد عدَّ من مساوئ الآداب و منافي المروءة أن يجري ذكر الحمار و الألفاظ القبيحة في مجلس قوم من أولي العلم و الفضيلة و المروءة «2».

______________________________

(1) الاختصاص: 125.

(2) تفسير القرطبي: 14/ 72.

أفضل الدين - المروءة، ص: 15

ثانياً: اختلاف المروءة بحسب الأمكنة:

و أمّا الاختلاف بحسب الأمكنة فمثاله خروج العالم الديني في سوق النجف الأشرف من دون عباءة فذلك يعتبر نقصاً عرفياً له، و لا يكون هذا نقصاً عرفياً في بلاد الهند، كما أن جلوس العالم الديني في المقاهي أو النوم فيها خلاف المروءة، بينما جلوس العوام في المقاهي

لا يذهب المروءة.

و ذهب الفقهاء بأنه يكره وطئ الرجل إحدي زوجاته بحضرة البقية، لأنه بعيد عن المروءة، و قد استشكل علي نبي اللّه شعيب (عليه السلام) كيف يرضي لابنتيه بسقي الماشية و هذا خلاف المروءة «1»؟! و أُجيب بأنه ليس ذلك بمحظور و الدين لا يأباه، و أما المروءة فالناس مختلفون في ذلك و العادة متباينة فيه، و أحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، و مذهب أهل البدو غير مذهب أهل الحضر خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة «2».

و من خوارم المروءة بحسب الأمكنة هو الجلوس أو الوقوف في الأسواق و الطرقات العامة لرؤية من يمر «3»، فكيف في هذا الزمان التعيس الذي أصبح فيه بعض الشباب الفارغ يقضي جميع أوقاته في الشوارع و الأسواق للنظر للآخرين مصحوباً بالتحرش بالنساء،

______________________________

(1) فتح الوهاب: 2/ 107.

(2) تفسير القرطبي: 14/ 72.

(3) فتح الباري: 11/ 33.

أفضل الدين - المروءة، ص: 16

و قد روي عن سفيان بن حسين قال: (قلت لإياس بن معاوية ما المروءة؟ قال: أما في بلدك و حيث تعرف فالتقوي، و أمّا حيث لا تعرف فاللباس) «1».

ثالثاً: اختلاف المروءة بحسب الأزمنة:

أمّا اختلاف المروءة بحسب الأزمنة فمثاله سياقة طالب الحوزة العلمية لسيارته الخاصة كانت سابقاً منافية للمروءة أصبحت في زماننا أمراً اعتيادياً عرفياً بخلاف سياقته لسيارة الأجرة.

و قد أوضح الفقهاء مراعاة زي الزمان من المروءة فأجازوا لبس الثياب المصبغة بكل لون إلَّا أنهم لم يحبذوا لبس ما كان مشبعاً بالحمرة و لا لبس الأحمر مطلقاً فوق الثياب لكونه ليس من لبس أهل المروءة في زمانهم ما لم يكن اثماً و في مخالفته الزي ضرب من الشهرة «2». و قد ظنَّ بعض ضعاف النفوس من أبواق المعممين بأن تكبير العمائم و تطويلهم

اللحي و توسيع الأكمام دليل علي علمية و مروءة أولئك الأشخاص، أعاذنا اللّه من هيئات الخشب المسندة.

______________________________

(1) تاريخ مدينة دمشق: 10/ 21.

(2) تحفة الأحوذي: 5/ 321، فتح الباري: 10/ 259.

أفضل الدين - المروءة، ص: 17

و ذكر قسم من الفقهاء إن من يكثر النظر إلي عورته ليس من المروءة «1»، و كيف- مع الأسف- و قد أصبح في زماننا من يكشف عورته أمام الناس و لا يبالي.

و كان الاتكاء علي الطيلسان في المسجد و الأماكن العامة و الجلوس فيهما من فعل الأشراف و أهل المروءة، بينما أصبح الجلوس في الأماكن العامة مما يذهب المروءة في وقتنا الحاضر.

لا تستهجن السنن و إن هجرها العامة المروءة لا تخالف راجحاً شرعاً

إن المروءة من اللوازم الإنسانية و هي من الهداية الفطرية التي فطر اللّه الناس عليها، و ضابط المروءة أن لا تخالف راجحاً شرعياً و إن هجرها العامة.

فلو استهجن العامة الحناء فلا يكون ترك الحناء من المروءة لأن الحناء مسنونة شرعاً. نعم، المروءة هي الاستقامة العرفية فيما إذا لم يرد فيها راجح شرعاً.

قال الشهيد الثاني في الروضة البهية: (و لا يقدح فعل السنن و إن استهجنها العامة و هجرها الناس كالكحل و الحناء و الحنك في بعض البلاد و إنما العبرة بغير الراجح شرعاً) «2».

______________________________

(1) مواهب الجليل: 2/ 193.

(2) الزبدة الفقهية: 4/ 162.

أفضل الدين - المروءة، ص: 18

المروءة مؤشر من مؤشرات المجتمع

تعتبر المروءة مؤشراً من مؤشرات المجتمع في رقيه و ازدهاره و صلاحه، فكلما أصبحت المروءة مركوزةً في المجتمع ازداد المجتمع رقياً و فضيلة، فقد سُئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن المروءة فقال: (المروءة إصلاح المعيشة) «1».

فالمجتمع الذي سادت هذه الصفة بين أفراده كان مجتمعاً في عيشة مرضية لأن المروءة هي التي تصلح المعيشة في المجتمع، كما أن أصحاب المتاجر إذا وصفوا بالدين و الصلاح سمي سوقهم سوق المروءة «2».

كما روي عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام): (من مروءة الرجل أن تكون دوابه سماناً و حسن وجه مملوكه و الفرس السري) «3»، فالإسلام اعتبر من علامات مروءة الرجل أن تكون آثار النعمة بادية حتي علي دوابه و عبيده و خدمه و موظفيه و جميع ما يتعلق به سواء أ كان إنساناً أم حيواناً من رحمه أم لا. فمن خوارم المروءة هو الضنك في المعيشة علي عياله و أفراد عائلته، و لقد أوضح الإمام الصادق (عليه السلام) إن رزق العبد من اللّه تعالي

______________________________

(1) الكافي: 8/

241.

(2) عدة الصابرين: 1/ 222.

(3) وسائل الشيعة: 11/ 437.

أفضل الدين - المروءة، ص: 19

بمقدار مروءته فقال: (و الذي بعث جدي (ص) بالحق نبياً إن اللّه عزَّ و جل ليرزق العبد علي قدر المروءة) «1».

و قد بيّن الحكماء متي يجب علي ذي المروءة إخفاء نفسه و إظهارها في المجتمع و حددوا ذلك بقدر ما يري من نفاق «2» المروءة و كسادها «3».

و من الملحوظ أن المروءة في مجتمعنا قد قضت نحبها و شُيعت و دُفنت فإن لم يظهر أهل المروءات في المجتمع و يكونوا مثالًا يحتذي بهم لنسيت هذه الخصلة الحميدة.

إنَّ أي قوم أو جماعة يمتدحون إذا نزلوا علي حكم المروءة، فإن المجتمع يعرف رقيه و تقدمه و حضارته و ثقافته بمقدار ما ينزل أفراده علي حكم المروءة.

و كان يقال: إنَّ تعامل القرن الأول من الناس فيما بينهم كان بالدين حتي رقَّ الدين، ثمّ تعامل القرن الثاني بالوفاء حتي ذهب الوفاء، ثمّ تعامل القرن الثالث بالمروءة حتي فنيت المروءة، ثمّ تعامل القرن الرابع بالحياء حتي قلَّ الحياء، ثمّ صار الناس يتعاملون بالرغبة و الرهبة «4».

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: 2/ 294.

(2) المراد بنفاق المروءة بفتح النون رواجها.

(3) أدب المجالسة: 1/ 37.

(4) شرح نهج البلاغة: 11/ 214، حلية الأولياء: 4/ 312.

أفضل الدين - المروءة، ص: 20

و ذكر الحكماء بأنَّ المروءة في المجتمع بوجود أربع خصال في فرده (بأن يعتزل الريبة فلا يكون في شي ء منها فإذا كان مريباً كان ذليلًا، و أن يصلح ماله فلا يفسده فإنه إن أفسد ماله لم تكن له مروءة، و أن يقوم لأهله بما يحتاجون إليه حتي يستغنوا به عن غيره فإنَّ من احتاج أهله إلي الناس لم تكن له مروءة، و

أن ينظر ما يوافقه من الطعام و الشراب فيلزمه فإنَّ ذلك من المروءة) «1».

و قد مُدِحَ أهل بغداد لأن أهلهم كانوا أهل مروءة، فقد روي عن ذي النون أنه كان يقول بمصر: من أراد أن يتعلم المروءة فعليه بسقاة بغداد، فقيل له: و كيف ذاك؟ فقال: لما حملت إلي بغداد رمي بي علي باب السلطان مقيداً فمرَّ بي رجل متزر بمنديل مصري معتم بمنديل ديبقي بيده كيزان خزف رقاق و زجاج مخروط فسألت هذا ساقي السلطان؟ فقيل لي: لا، هذا ساقي العامة فأومأت إليه اسقني فتقدم و سقاني فشممت في الكوز رائحة المسك فقلت لمن معي: ادفع إليه ديناراً فأعطاه الدينار فأبي و قال: ليس آخذ شيئاً، فقلت له: و لِمَ؟ فقال: أنت أسير و ليس من المروءة أن آخذ منك شيئاً، فقلت: كمل الظرف في هذا) «2».

و قد ذمَّ أهل خراسان بفقدان المروءة بقول الشاعر فيهم «3»:

______________________________

(1) شعب الإيمان: 7/ 441.

(2) تاريخ بغداد: 1/ 73.

(3) تاريخ بغداد: 5/ 345، تذكرة الحفاظ: 3/ 930.

أفضل الدين - المروءة، ص: 21

كفي حزناً إن المروءة عطلت و أن ذوي الألباب في الناس ضيّع

و إن ملوكاً ليس يحظي لديهم من الناس إلَّا من يغني و يصفع

إن انخراط غالبية المجتمع في حرف دنيئة دليل علي ملابسته علي انحطاط المروءة فيه «1»، و قد استعملت السلطة البائدة سياسة عنصرية واضحة لإذلال طائفة الشيعة باستخدامهم في مهن دنيئة من أجل تذويب مروءتهم و إلغائها كالمنظفين و الفراشين و عمال الخدمات و غيرهم، بينما ذكر أصحاب المروءة بأن الحرفة و الصنعة دليل علي مروءة صاحبها، قال الأحنف: (المروءة العفة و الحرفة، تعف عمّا حرم اللّه، و تحترف فيما أحل اللّه) «2».

نعم، قد يكون

صاحب الحرفة الدنيئة أنقي من ذي منصب و وجاهة «3»، كما أن المجتمع يكون متدنياً أخلاقياً و تهدم مروءته فيما إذا فشا فيه الغناء، فقد ورد عن يزيد بن الوليد الناقص نصيحته لبني أمية بقوله: (إياكم و الغناء فإنه ينقص الحياء و يزيد في الشهوة و يهدم المروءة، و أنه لينوب عن الخمر و يفعل ما يفعل السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا).

و قد وصف المجتمع بالسوء و الابتلاء فيما إذا كان ليس فيه

______________________________

(1) فتح المعين: 3/ 377.

(2) شرح نهج البلاغة: 18/ 129.

(3) حاشية رد المحتار: 6/ 19.

أفضل الدين - المروءة، ص: 22

آداب الإسلام و لا أخلاق الجاهلية و لا أحلام ذوي المروءة «1». بينما تظهر المروءة في المجتمع المترقي اقتصادياً، فقد جاء في غرر الحكم (مع الثروة تظهر المروءة) «2». و قد أوضح الصلحاء و علماء الأخلاق مؤشراً و معياراً في مروءة المسلمين في أسواقهم بأن يرخصوا السعر عند البيع، فروي عن عبد الأعلي ممن كان سمساراً قال لي الحسن: أ يولي أحدكم أخاه الثوب فيه رخص درهمين أو ثلاثة، قال: قلت لا و اللّه و لا دانق، قال: فقال الحسن: أف أف فما ذا بقي من المروءة إذاً؟ «3»، و قد ورد ما يشابه هذا ما قالت أعرابية: (لا تلتمس المروءة ممن مروءته في رءوس المكاييل) «4».

و قد أوصي النبي لقمان لابنه بكيفية اختيار إخوانه و أصحابه بقوله: (و ليكن أخوانك و أصحابك الذين تستخلصهم و تستعين بهم علي أمورك أهل المروءة و الكفاف و الثروة و العقل و العفاف) «5».

______________________________

(1) حلية الأولياء: 10/ 349.

(2) غرر الحكم: 258.

(3) شعب الإيمان: 1/ 441.

(4) تفسير القرطبي: 19/ 253.

(5) المستدرك:

12/ 438.

أفضل الدين - المروءة، ص: 23

المروءة في الروايات الشريفة

وردت عدة روايات في المروءة منها:

1- في تفسير البرهان عن ابن بابويه باسناده عن عمرو بن عثمان قال: (خرج علي (عليه السلام) علي أصحابه و هم يتذاكرون المروءة، فقال: أين أنتم من كتاب اللّه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين في أي موضع؟ فقال في قوله عزَّ و جل: [إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ] «1»)، و رواه العياشي و صاحب الدر المنثور عن ابن نجار في تاريخه «2».

2- روي محمد بن علي بن الحسين قال: تذاكر الناس عند الإمام الصادق (عليه السلام) أمر الفتوة، فقال (عليه السلام): (تظنون إن الفتوة بالفسق و الفجور، إنما الفتوة و المروءة طعام موضوع، و نائل مبذول بشي ء معروف، و أذي مكفوف، و أما تلك فشطارة و فسق، ثمّ قال: ما المروءة؟ فقال الناس: لا نعلم، قال: المروءة و اللّه أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، و المروءة مروءتان: مروءة في الحضر، و مروءة في السفر، فأما التي في الحضر تلاوة القرآن، و لزوم المساجد، و المشي مع الأخوان في الحوائج، و النعمة تري

______________________________

(1) سورة النحل، آية: 90.

(2) تفسير الميزان: 12/ 35.

أفضل الدين - المروءة، ص: 24

علي الخادم أنها تسر الصديق، و تكبت العدو، و أما التي في السفر فكثرة زاد و طيبه و بذله لمن كان معك، و كتمانك علي القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم و كثرة المزاج في غير ما يسخط اللّه عزَّ و جل)، ثمّ قال (عليه السلام): (و الذي بعث جدي (ص) بالحق نبياً، إن اللّه عزَّ و جل ليرزق العبد علي قدر المروءة، و إن المعونة تنزل علي قدر المؤنة، و إن الصبر ينزل علي قدر شدة البلاء) «1».

3-

روي في المستدرك عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال في حديث: إن لقمان قال لابنه: (و ليكن أخوانك و أصحابك الذين تستخلصهم و تستعين بهم علي أمورك أهل المروءة و الكفاف و الثروة و العقل و العفاف، الذين إنْ نفعتهم شكروك، و إنْ غبت عن جيرتهم ذكروك) «2».

4- روي (لا دين لمن لا مروءة له) و (لا مروءة لمن لا عقل له). و شرح الحديثين إنّ الظاهر إنّ النفي في المواضع الأربعة وارد علي الحقيقة كما يقتضيه وقوع النكرة في سياق النفي، و المعني لا تتحقق حقيقة الدين و لا توجد لمن ليس له حقيقة المروءة، و لا تتحقق حقيقة المروءة لمن ليس له حقيقة العقل، و ينتج لا يتحقق حقيقة الدين لمن ليس له حقيقة العقل، و المقدمتان ظاهرتان ضرورة إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 11/ 433، معاني الأخبار: 119.

(2) مستدرك الوسائل: 12/ 438.

أفضل الدين - المروءة، ص: 25

من كان له مروءة في الجملة كان له دين في الجملة، و من كان له عقل في الجملة كان له مروءة في الجملة.

و يحتمل أن يكون النفي فيها وارداً علي الكمال كما هو الشائع في استعمال نحو هذا الكلام، و المعني لا يتحقق كمال الدين لمن ليس له كمال المروءة، و لا يتحقق كمال المروءة لمن ليس له كمال العقل، و ينتج لا يتحقق كمال الدين لمن ليس له كمال العقل، و أفاد المحقق الخراساني: من أن نفي الموضوع قد يكون كناية عن نفي آثاره كقول القائل: يا أشباه الرجال و لا رجال مدعياً أنَّ تمام حقيقة الرجولية هو المروءة و الشجاعة، فإذا فقدتا فقدت الرجولية، و الأول أظهر في المعني و الثاني أنسب، و إن الإمام

(عليه السلام) بيَّن أنَّ المروءة و الإنسانية بالعقل و كان كل واحد منهما مستوراً لا يدركه الحواس و كانت الظواهر أدلة علي البواطن أشار إلي أنه يعرف ذلك بترك الدنيا و عدم الركون إليها، و إلي أن مراتبه متفاوتة في الشدة و الضعف «1».

5- قال الإمام الصادق (عليه السلام): (يا عمار- عمار بن موسي- إن كنت تحب أن تستتب لك النعمة و تكمل لكَ المروءة و تصلح لكَ المعيشة، فلا تشارك العبيد و السفلة في أمرك، فإنك إن ائتمنتهم

______________________________

(1) شرح أصول الكافي: 1/ 186، بحار الأنوار: 65/ 1343.

أفضل الدين - المروءة، ص: 26

خانوك، و إن حدثوك كذبوك، و إن نكبت خذلوك، و إن وعدوك أخلفوك) «1».

6- قال رسول اللّه (ص): (من المروءة استصلاح المال) «2».

7- روي صاحب المستدرك عن الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) أنه قال: قال الحسن بن علي (عليه السلام) في حديث: (و استثمار المال تمام المروءة) «3».

8- روي زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه الصادق (عليه السلام) يقول: (إنّا أهل البيت مروءتنا العفو عمّن ظلمنا) «4».

9- روي جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: (أوحي اللّه عزَّ و جل إلي رسوله (ص): أني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاه النبي (ص) فأخبره، فقال: لو لا أنّ اللّه أخبرك ما أخبرتك، ما شربت خمراً قط لأني علمت إن لو شربتها زال عقلي، و ما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة، و ما زينت قط لأني خفت أي إذا عملت عمل بي، و ما عبدت صنماً قط لأني علمت أنه لا يضر و لا ينفع) «5».

______________________________

(1) الكافي: 2/ 64.

(2) من لا يحضره الفقيه: 3/

166.

(3) مستدرك الوسائل: 13/ 49.

(4) الخصال: 10.

(5) الأمالي: 133.

أفضل الدين - المروءة، ص: 27

10- روي المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): (من روي علي مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه اللّه من ولايته إلي ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان) «1».

11- قال الإمام الحسن بن علي (عليه السلام): (المروءة في شيئين: اجتناب الرجل ما يشينه و اختياره ما يزينه) «2».

12- (تجاوزوا لذوي المروءة عن عثراتهم إلَّا في حد من الحدود، فو الذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر و إنَّ يده لفي يد اللّه تعالي) «3».

13- (ليس من المروءة استخدام الضيف) «4»، رواه أبو نعيم عن عمر بن عبد العزيز.

14- (ليس من المروءة الربح علي الأخوان) «5».

15- روي أن رجلًا قام إلي رسول اللّه (ص) فقال: يا رسول اللّه أ لست أفضل قومي؟ فقال: (إن كان لكَ عقل فلكَ

______________________________

(1) بحار الأنوار: 72/ 167.

(2) معدن الجواهر: 26.

(3) كشف الخفاء: 2/ 171، كنز العمال: 5/ 311، جامع الصغير: 1/ 498، المبسوط: 20/ 107.

(4) الجامع الصغير: 1/ 498.

(5) الجامع الصغير: 1/ 498.

أفضل الدين - المروءة، ص: 28

فضل، و إن كان لك خلق فلكَ مروءة، و إن كان لكَ مال فلك حسب، و إن كان لكَ تقي فلك دين) «1».

16- و سُئل الإمام الحسن (عليه السلام): ما المروءة؟، فقال: (إن اللّه تعالي يحب معالي الأمور و يكره سفاسفها) «2».

17- روي (إن حَسَبَ الرجل ماله، و كرمه دينه، و مروءته خلقه) «3».

18- روي الحارث قال: (إن علياً (عليه السلام) سأل ابنه الحسن (عليه السلام) عن أشياء من أمر المروءة، فقال: يا بني ما السداد؟ قال: يا أبه السداد دفع المنكر

بالمعروف، قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة و حمل الجريرة و مرافقة الأخوان و حفظ الجيران، قال: فما المروءة؟ قال: العفاف و إصلاح المال، قال: فما الدقة؟ قال: النظر في اليسير و منع الحقير، قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه و بذله عرسه، قال: فما السماحة؟ قال: البذل من العسير و اليسير، قال: فما الشح؟ قال: أن يري المرء ما أنفقه تلفاً، قال: فما الاخاء؟ قال: المواساة في الشدة و الرخاء، قال، فما الجبن؟ قال: الجرأة علي الصديق و النكول عن العدو، قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في

______________________________

(1) شرح نهج البلاغة: 18/ 128.

(2) المصدر نفسه: 18/ 128.

(3) المصدر نفسه: 18/ 128.

أفضل الدين - المروءة، ص: 29

التقوي و الزهادة في الدنيا، قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ و ملك النفس) «1» إلي آخر الحديث.

19- سأل معاوية الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) عن الكرم و المروءة، فقال (عليه السلام): (أما الكرم فالتبرع بالمعروف و الإعطاء قبل السؤال و الإطعام في المحل، و أما المروءة: فحفظ الرجل دينه، و إحراز نفسه من الدنس و قيامه بضيعته و أداء الحقوق و إفشاء السلام) «2».

20- قال الإمام علي (عليه السلام): (ثلاث فيهن المروءة: غَضّ الطرف و غض الصوت و مشي القصر) «3».

21- روي عن الإمام علي (عليه السلام): (أشرف المروءة ملك الغضب و إماتة الشهوة) «4».

22- و قال الإمام علي (عليه السلام): (تفهموا العربية فإنها تشحذ العقل و تزيد في المروءة) «5».

23- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان الحسن بن علي (عليه السلام) عند معاوية فقال له: أخبرني عن المروءة فقال: (حفظ

______________________________

(1) نهج السعادة: 1/ 549، المعجم الكبير: 3/ 68.

(2) أدب الضيافة: 138.

(3) ميزان الحكمة: 2/

1680.

(4) ميزان الحكمة: 3/ 2265.

(5) شرح نهج البلاغة: 12/ 71.

أفضل الدين - المروءة، ص: 30

الرجل دينه و قيامه في إصلاح ضيعته و حسن منازعته و إفشاء السلام و ليس الكلام و الكف و التحبب إلي الناس) «1».

24- و روي الحارث بن الأعور قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للحسن ابنه: (يا بني ما المروءة؟ قال: العفاف و إصلاح المال) «2».

25- سُئل الإمام الحسن (عليه السلام) عن المروءة فقال: (العفاف في الدين و حسن التقدير في المعيشة و الصبر في النائبة) «3». لا أن يكون الدين للتجارة و الانخراط في مسلك علماء الدين لنيل نصيبه من الدنيا و إظهار أنه غيور علي الدين و ذلك بجمع أموال المسلمين عنده و استخدامها لأغراضه الشخصية كما رأيناه بأم أعيننا. و قد رأينا من إذا نكب أو أصابته مصيبة من فقر أو مرض ذلل نفسه عند الناس و صار شكوته إلي الناس أكثر من شكواه لله، و نكبته وسيلة للاستجداء عند وجهاء الناس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 11/ 435.

(2) نفس المصدر.

(3) نفس المصدر.

أفضل الدين - المروءة، ص: 31

26- قال أمير المؤمنين: (من المروءة أن تقصد فلا تسرف، و تعد فلا تخلف) «1».

27- و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من أفضل المروءة صيانة الحرم) «2»، جعل من أفضل مصاديق المروءة هو صيانة الحرم و الغيرة عليها و الحفظ و عدم إذلالها بتوفير لقمة العيش الكريمة لها.

29- و روي عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) عند ما سأله معاوية عن المروءة فقال: (حفظ الرجل دينه و إحراز نفسه من الدنس و قيامه بأداء الحقوق و إفشاء السلام) «3». هذه الخصال كانت مطلوبة في زمن الإمام الحسن و هي

المطلوبة للمجتمع فكان معاوية قد غير الدين إلي قومية، و ذلل نفسه من أجل كسب الآخرين و أداء الحقوق علي أساس العنصرية و القبلية، و كان داعية للحرب سفاكاً لدماء المسلمين من مهاجرين و أنصار.

المروءة في أدب الشريعة

قال خالد بن صفوان لو لا أن المروءة تشتد مئونتها و يثقل حملها ما ترك اللئام للكرام منها مبيت ليلة فلما ثقل حملها و اشتدت مئونتها حاد عنها اللئام و احتملها الكرام «4». فما حمل الرجال

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 13/ 54.

(2) نفس المصدر.

(3) بحار الأنوار: 44/ 90.

(4) تاريخ مدينة دمشق: 16/ 113.

أفضل الدين - المروءة، ص: 32

حملًا أثقل من المروءة، و المروءة هي الاستحياء من شي ء علانية فلم يفعله سراً، لذا من أراد طلب المروءة فعليه أن يدرب نفسه من الصغر حتي تصبح له عادة طبيعة في سلوكه فيتطبع عليها و ذلك من خلال النشأة الصالحة، قال الشاعر:

إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً فمطلبها كهلًا عليه شديدُ

و قال داود بن هند: (جالست الفقهاء فوجدت ديني عندهم، و جالست كبار الناس فوجدت المروءة فيهم، و جالست شرار الناس فوجدت أحدهم يطلِّق امرأته علي ما لا يساوي شعيرة) «1».

و قد رأينا ممن لا مروءة له قد باع دينه بأتفه الأشياء.

و ذكر صالح بن جناح أصل المروءة الحزم و ثمارها الظفر و إذا طلب رجلان أمراً ظفر بأعظمهما مروءة «2».

و سأل معاويةُ صعصعة بن صوحان ما المروءة؟، قال: (الصبر و الصمت، فالصبر علي ما ينوبك و الصمت حتي تحتاج إلي كلام) «3».

و قال صعصعة بن صوحان: (رأس المروءة الصمت حتي تحتاج إلي كلام) «4».

______________________________

(1) تاريخ مدينة دمشق: 17/ 130.

(2) المصدر نفسه: 23/ 326.

(3) تاريخ مدينة دمشق: 24/ 97.

(4) المصدر نفسه: 24/ 97.

أفضل الدين - المروءة،

ص: 33

و ذُكر بأن التخاصم و استخدام الضيف يضعان الشرف و ينقصان المروءة، و الكامل المروءة من أحرز دينه و وصل رحمه و اجتنب ما يلام عليه. و أن طلب العلم بالأدب من المروءة.

و قال الزهري: (ما طلب الناس خيراً من المروءة، و من المروءة ترك صحبة من لا خير فيه و لا يستفاد منه عقل فتركه خير من كلامه) «1».

و قال شاعر يمدح المروءة «2»:

و فتي خلا من ماله و من المروءة غير خال

أعطاك قبل سؤاله و كفاك مكروه السؤال

لله درك من فتي ما فيك من كرم الخصال

و من علامات أصحاب المروءة هو طلاقة وجهه و تودده إلي الناس و قضاء حوائجهم، قال ميمون بن مهران: أول المروءة طلاقة الوجه، و الثاني التودد إلي الناس و الثالث قضاء الحوائج.

كما ان من ظواهر المروءة هي الرياش و الفصاحة، و ترك الإنسان الطعام و هو بعد يشتهيه، فإن المروءة تأمرك بالأجمل و العقل يأمرك بالأنفع بينما من يتعاطي الأسباب التي تخل بالمروءة

______________________________

(1) تاريخ مدينة دمشق: 55/ 381.

(2) تاريخ بغداد: 10/ 315.

أفضل الدين - المروءة، ص: 34

فلا ترجو له خيراً و هو من يتكلم بكلام الفسّاق و الأراذل مما يستحي أرباب المروءة أن ينطقوا به «1».

و ذكروا للعاقل ستّ خصال و هي من المروءة: أن يحفظ دينه، و يصون عرضه، و يصل رحمه، و يحمي جاره، و يرعي حقوق إخوانه، و يخزن عن البذاء لسانه. و لهذا لما سُئل النظام عن المروءة أنشد بيت زهير:

الستر دون الفاحشات و لا يلقاك دون الخير من ستر

و لذا قيل: اللذة ترك المروءة و المروءة ترك اللذة، لذا قال معاوية ألذ الأشياء إسقاط المروءة، و أن تستقبح من نفسك ما تستقبحه

من غيرك، فمن عامل الناس و لم يظلمهم، و حدثهم و لم يكذبهم، و وعدهم و لم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته، و ظهرت عدالته و وجبت أخوته و هذا حق، فإن حسن معاملة الناس و الوفاء لهم و الصدق معهم دليل كمال المروءة و مظهر من مظاهر العدالة «2».

و روي يَغنم بن سالم بن قنبر مولي علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن أنس بن مالك قال: لما حشر اللّه الخلائق إلي بابل بعث إليهم ريحاً شرقية و غربية و قبلية و بحرية، فجمعهم إلي بابل فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له، إذ نادي منادٍ: من جعل المغرب عن يمينه و المشرق عن يساره فاقتصد البيت الحرام بوجهه فله سلام

______________________________

(1) العهود المحمدية: 665.

(2) فقه السنة: 2/ 699.

أفضل الدين - المروءة، ص: 35

أهل السماء، فقام يعرب بن قحطان فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو، فكان أول من تكلّم بالعربية، و لم يزل المنادي ينادي: من فعل كذا و كذا فله كذا و كذا حتي افترقوا علي اثنين و سبعين لساناً، و انقطع الصوت و تبلبلت الألسن فسميت بابل، و كان اللسان يومئذٍ بابلياً، و هبطت ملائكة الخير و الشر و ملائكة الحياء و الإيمان و ملائكة الصحة و الشقاء و ملائكة الغني و ملائكة الشرف و ملائكة المروءة و ملائكة الجفاء و ملائكة الجهل و ملائكة السيف و ملائكة البأس، حتي انتهوا إلي العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا، فقال ملك الإيمان أنا أسكن المدينة و مكة، فقال ملك الحياء: أنا معك، فاجتمعت الأمة علي الإيمان و الحياء ببلد رسول اللّه (ص)، و قال ملك الشقاء: أنا أسكن البادية فقال ملك الصحة:

و أنا معك، فاجتمعت الأمة علي أن الشقاء و الصحة في الأعراب، و قال ملك الجفاء: أنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: و أنا معك فاجتمعت الأمة علي أن الجفاء و الجهل في البربر، و قال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال ملك البأس: أنا معك، و قال ملك الغني: أنا أقيم هاهنا، فقال ملك المروءة: و أنا معك، و قال ملك الشرف: و أنا معكما، فاجتمع ملك الغني و المروءة و الشرف بالعراق «1».

______________________________

(1) معجم البلدان: 1/ 310.

أفضل الدين - المروءة، ص: 36

خصال أصحاب المروءة

إن المروءة من لوازم الإنسان و مما يصير بها الإنسان حقيقياً بأن يسمي إنساناً، بل هي من الصفات الذاتية الفطرية، كما أن العمل الصالح من لوازم الإسلام و مما يجعل الإسلام حقيقياً بأن يسمي إسلاماً، و يصف صاحب المروءة بأنه عريفاً في المروءة و المحدثون يمدحون رواة الحديث بقولهم (تام المروءة) «1»، فهي من مكارم الأخلاق التي يتخلق بها المؤمن، كما ذكرها الرسول الأكرم، فقد ربط الرسول الأعظم (ص) بين المروءة و الخلق و أوضح إنهما متلازمان «2». و هي صفة من صفات الأئمة و خصلة من خصالهم «3». فإن غاية المروءة أن يستحي الإنسان من نفسه فإن العلة في الحياء من الشيخ ليس كبر سنه و لا بياض لحيته، و إنما علة الحياء منه عقله، فينبغي أن كان هذا الجوهر فينا أن نستحي منه.

كما أن صدق الإنسان يتوقف علي مروءته، فقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نهجه: (قدر الرجل علي قدر همته، و صدقه علي قدر مروءته، و شجاعته علي قدر أنفته، و عفته علي قدر غيرته) «4» فإن المروءة تمنع الكذب و تزجر عنه،

______________________________

(1)

العلل: 1/ 96.

(2) شرح نهج البلاغة: 18/ 128.

(3) بحار الأنوار، كمال المروءة: 4/ 97.

(4) بحار الأنوار: 67/ 4.

أفضل الدين - المروءة، ص: 37

و لهذا يمتنع منه ذو المروءة و إن لم يكن ذا دين، فقد روي عن أبي سفيان أنه حين سأله قيصر عن النبي (ص) وصفته، فقال: (و اللّه لو لا أني كرهت أن يؤثر عليَّ الكذب لكذبته) و لم يكن ذا دين و لأن الكذب دناءة و المروءة تمنع من الدناءة، و إذا كانت المروءة مانعة من الكذب اعتبرت في العدالة كالدين «1».

و إن العلم دال علي مروءة الإنسان فكلما ازداد الإنسان علماً ازداد مروءةً، فإن طلب العلم دال علي المروءة، فقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في تقديم العلم علي المال بقوله: (فعليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة، و هو صلة بين الأخوان، و دال علي المروءة، و تحفة في المجالس و صاحب في السفر و أنس في الغربة) «2».

و من خصال أصحاب المروءة ظهور النعمة عليه و علي المتعلقين به و الموظفين عنده، قال الإمام أبو الحسن (عليه السلام): (من مروءة الرجل أن يكون دوابه سماناً) «3»، و روي عنه أيضاً: (من المروءة فراهة الدابة و حسن وجه المملوك و الفرش السري) «4».

______________________________

(1) المغني: 12/ 33.

(2) أعلام الدين: 84.

(3) الكافي: 6/ 479.

(4) المصدر نفسه: 6/ 479.

أفضل الدين - المروءة، ص: 38

و سأل معاوية الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) عن المروءة، فأوضح الإمام أصحاب المروءة بقوله: (شُحَّ الرجلُ علي دينه، و إصلاحه ماله، و قيامه بالحقوق) «1».

و عيَّن الإمام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) أصحاب المروءة و خصالهم بأنهم أهل الجود الباذلون للمعروف و الكافين عن

الأذي بقوله: (تظنون أمر الفتوة بالفسق و الفجور، إنما الفتوة و المروءة طعام موضوع و نائل مبذول بشي ء معروف و أذي مكفوف، فأما تلك فشطارة و فسق) «2»، و قال الإمام الصادق: (إن من المروءة في السفر كثرة الزاد و طيبه و بذله لمن كان معك) «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 11/ 434.

(2) من لا يحضره الفقيه: 2/ 294.

(3) وسائل الشيعة: 2/ 160.

أفضل الدين - المروءة، ص: 39

و قد أكدت الروايات الشريفة بأن سيماء أهل المروءة الاقتصاد في المال و استصلاحه و استثماره فلا يبسطون أيديهم كل البسط و لا يجعلونها مغلولة إلي أعناقهم، قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (و استثمار المال تمام المروءة) «1»، و (استصلاح المال من المروءة). كما أنهم يكتمون الأسرار فلا يغشونها فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (ليس من المروءة أن يحدث الرجل بما يلقي في سفره من خيرٍ و شرٍّ) «2». بل يتغافلون عن زلل الأخوان «3»، و إنهم يفشون السلام و ينشرون الحسن و يطعمون الطعام فثلاثة من أعلام المروءة إطعام الطعام و إفشاء السلام و نشر الحسن «4».

و ذكر من كمال المروءة (أن تحرز دينك و تصل رحمك و تكرم أخوانك و تصلح مالك و تقيل في بيتك) «5». فإن الرجل الذي يخدم أهل بيته و توليه حوائجهم بنفسه تواضعاً من كمال المروءة.

و قد ذكرت الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) أن دار أهل المروءة هي الجنة «6».

______________________________

(1) الكافي، كتاب العقل: 1/ 20.

(2) المحاسن: 2/ 358.

(3) شعب الإيمان: 6/ 330.

(4) حلية الأولياء: 9/ 394.

(5) شعب الإيمان: 4/ 183.

(6) الاقبال: 269.

أفضل الدين - المروءة، ص: 40

مصاديق المروءة

المروءة إنجاز الوعد و اجتناب الدنية و اخفاء الفاقة و الأمراض

و الحث علي المكارم و البرئ من اللؤم و الخيانة و الغدر، و اجتناب الرجل ما يشينه و اكتساب ما يزينه، و العدل في الأمرة و العفو مع القدرة و المواساة في العشيرة، و بثّ المعروف و قري الضيوف، فأول المروءة طاعة اللّه و آخرها استدامة البر، فأشرف المروءة حسن الأخوة و ملك الغضب و إماتة الشهوة و أحسن المروءة حفظ الود، و أفضل المروءة احتمال جنايات الأخوان وصلة الرحم و استبقاء الرجل ماء وجهه و الحياء و ثمرته العفة، و مواساة الأخوان بالأموال و مساواتهم في الأحوال، و رأس المروءة الضيافة، و عنوان المروءة السخاء، و ملاك المروءة صدق اللسان و بذل الإحسان، و نظام المروءة حسن الأخوة.

و ثلاث فيهنَّ المروءة: غضّ الطرف و غض الصوت و مشي القصد، و ثلاث من جماع المروءة عطاء من غير مسألة و وفاء من غير عهد، وجود مع إقلال، و ثلاث هنَّ المروءة: جود مع قلة و احتمال من غير مذلة، و تعفف عن مسألة. و جماع المروءة أن لا تعمل في السر ما تستحي منه في العلانية، و خصلتان فيهما جماع المروءة اجتناب الرجل ما يشينه و اكتسابه ما يزينه، فعلي قدر المروءة تكون السخاوة، و من صبر علي شهوته تناهي في المروءة، و من شرائط المروءة التنزه عن الحرام، و من تمامها التنزه عن الدنية

أفضل الدين - المروءة، ص: 41

و ان تنسي الحق لك و تذكر الحق عليك، و صدق اللسان و بذل الإحسان و كثرة الحياء و بذل الندي، و كف الأذي و غض الطرف و مشي القصد، و الورع يصلح الدين و يصون النفس و يزين المروءة «1».

و إن المباكرة في الغداء يطيب

النكهة و يطفئ المرة و يعين علي المروءة لأنه لا تتوق نفسه إلي طعام غيره «2». و المروءة القناعة و التجمل، و من كمال المروءة حسب المرء «3».

ازدياد المروءة

من الأمور التي تزيد المروءة تعلّم العربية، فإنها تشحذ العقل و تزيد في المروءة، و روي عن الأئمة الهداة أن أكل السفرجل يزيد في العقل و المروءة «4»، كما أن تلاوة القرآن و حضور المساجد و صحبة أهل الخير و النظر في الفقه يزيد في المروءة لما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) هذا في الحضر، و أما في السفر فالمروءة ببذل الزاد و المزاح في غير ما يسخط اللّه عزَّ و جل و قلة الخلاف علي من صحبك و ترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم «5».

______________________________

(1) غرر الحكم: 258.

(2) تاريخ دمشق: 45/ 381.

(3) كشف الغمة: 2/ 347، فقه الرضا: 352.

(4) وسائل الشيعة: 25/ 168، شعب الإيمان: 2/ 257، أدب المجالسة: 1/ 62.

(5) المصدر نفسه: 11/ 436.

أفضل الدين - المروءة، ص: 42

و قال شبيب بن شيبة: (اطلبوا الأدب فإنه عون علي المروءة، و زيادة في العقل، و صاحب في العزلة، وصلة في المجلس) «1».

أعداء المروءة

إن المروءة اشتدت مئونتها و ثَقل محملها فماد عنها اللئام الأغمار و حملها الكرام الأخيار و لو لم تشتد مئونتها و يثقل محملها ما ترك اللئام الأغمار منها مبيت يوم. فما حمل الرجل حملًا أثقل من المروءة، فإن المروءة هي المعيار و الميزان للرجال فمن ثقلت كفته في مروءته فهو خيرة الرجال. بل أن الفقهاء اعتبروا كل شرط في عقد مخالف للمروءة فهو شرط غير سائغ لأنه مخالف للدين و للشرع، قال المحقق الكركي: (و لو شرط كونها غير عفيفة- نعوذ بالله في عقد الزواج- فظهرت عفيفة، لأن هذا الشرط ينافي المروءة، و عند التحقيق فليس هذا النوع من الشروط بسائغ شرعاً، فإن ما خالف الدين و المروءة فهو مخالف للكتاب

و السنة) «2».

و ذكر علماء الفقه و الأخلاق عدة عناوين لسقوط المروءة، فأعداء المروءة بنو عم السوء إن رأوا صالحاً دفنوه و إن رأوا شراً أذاعوه «3»، و قد امتحن اللّه سبحانه و تعالي بعض المؤمنين بأن يتمرأ

______________________________

(1) أدب المجالسة: 1/ 105.

(2) جامع المقاصد: 13/ 319.

(3) تاريخ دمشق: 46/ 188.

أفضل الدين - المروءة، ص: 43

بعض أقاربه عند وجهاء القوم و عليتهم أو علماء الدين بأقاربه و عشيرته فيتكلم عليهم و يبين مثالبهم الواضحة في مخيلته. و معلوم أن الأذن الإنسانية تحب سماع المثالب دون المناقب و هذا ديدن ابتلينا به و اللّه المستعان، و قال معاوية لعمرو بن العاص ما ألذ الأشياء؟ قال: إسقاط المروءة، يريد أن الرجل إذا لم يهمه مروءته تلذذ و عمل ما يشتهي و لم يلتفت إلي لوم لائم.

و من أعداء المروءة ممن كانوا جفاةً و سفلةً و طغاماً مع خلوهم من الحمية و أهل الكذب و الخلف في الوعد، فإن الكذب ينقص المروءة بل قيل إن خصلتين لا تجتمعان الكذب و المروءة، و قلة الحياء من قلة المروءة كما أن سوء المنطق يزري بالبهاء و المروءة «1». و إن المشارطة في أمور معينة لا يليق بشأن كثير من الأشخاص و كذلك المماكسة فيها خلاف المروءة «2»، و مما يسقط المروءة كثرة الريبة فلا ينبل مريب، و من قدَّر لأهله أن يحتاجوا إلي غيره، و إن يستخدم ضيفه و إسقاط حشمته و الأكل في الأسواق و المجامع، و البول في الشوارع، و كشف الرأس في المحافل ممن كان لباسه تغطية رأسه، و لبس الإنسان لبساً مما يجعله موضعاً للسخرية، و مد الرجل عند الناس بلا ضرورة ممن كان في المجلس ممن

يحتشم منه، أما لو كان

______________________________

(1) شرح نهج البلاغة: 16/ 139، غرر الحكم: 119.

(2) المكاسب: 1/ 171.

أفضل الدين - المروءة، ص: 44

بحضرته أخوته أو أولاده أو تلامذته لم يكن تركاً للمروءة «1». و خروج المرأة إلي محافل الرجال لتباشر عقد زواجها بنفسها فإنه يعد هذا خلاف المروءة و لكن لا يمنع صحة مباشرتها كما ورد في الشرع. و خلاف المروءة أن يخطب علي خطبة بعد علمه «2».

و من أعداء المروءة المتمسخر و الماجن الذي يكثر الدعابة و الهزل في أكثر الأوقات، و المغنّي و الرقاص و الذي يحدث الناس بمضاجعته مع زوجته، و الذي يدخل الحمام بدون مئزر مع الناس أو يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه أو يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته بحضرة الناس الخطاب الفاحش «3». و النوم بين المستيقظين «4»، و إكثار الحكايات المضحكة بحيث يصير ذلك عادة له، و كثرة الالتفات و سرعة المشي لا لسبب، و أكل ما يحرم أكله كلحم الخنزير و شرب ما يحرم شربه كالخمر تؤدي إلي ذهاب المروءة و الغيرة «5»، و إنشاد الشعر الماجن الخليع و المضايقة في اليسير الذي لا يناسب حاله مثل التدافع مع الناس لحصول أشياء تافهة لوضعه الاجتماعي أو نقل الماء و الأطعمة بنفسه ممن ليس

______________________________

(1) مجموعة ورام: 2/ 201، 294، مغني المحتاج: 4/ 431، مواهب الجليل: 8/ 163.

(2) المبسوط: 5/ 13.

(3) الشرح الكبير: 12/ 42.

(4) كشف القناع: 1/ 91.

(5) الأمالي: 74، غرر الحكم: 119، فقه الرضا: 354.

أفضل الدين - المروءة، ص: 45

أهلًا لذلك إذا كان عن شح و ظنة و نحو ذلك «1»، و عدم المبالاة لما يقال عنه عند الناس «2».

و من أشد أعداء المروءة الغناء

فهو يهدم المروءة و يسرقها، و ينقص الحياء و يزيد في الشهوة و ينوب عن الخمر و يفعل ما يفعل السكر «3»، كما يوصف من همه الدنيا بأنه دني ء المروءة «4»، و ظلمَ المروءة مَنْ منَّ بصنيعه. و إن الزني يفسد المروءة و يجمع خلال الشر كلها مع قلة الدين و ذهاب الورع و قلة الغيرة.

و من علامات ذهاب المروءة أن يبيت الرجل خارج منزله في بلده فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (هلك بذوي المروءة أن يبيت الرجل عن منزله بالمصر الذي فيه أهله) «5» (و أن يطأ زوجته بحضرة بقية زوجاته) «6»، و الشراهة في الأكل، و انهماك الفقيه لطلب الدنيا و الملحوظ في زماننا بأن بعض المتعممين أخذوا يطلبون الدنيا و يلهثون وراءها مما جعل العوام يستفهمون لما يروه أمام أعينهم، و يسألون من أين لكَ هذا؟، و عدم الاستقامة العرفية يسقط المروءة فمتي أصبح المعمم منظماً لسير السيارات في

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 10/ 15.

(2) الوسيلة: 230.

(3) عدة الصابرين: 1/ 47، الاستقامة: 1/ 278.

(4) الفقيه: 3/ 554.

(5) المصدر نفسه: 3/ 554.

(6) فتح الوهاب: 2/ 107.

أفضل الدين - المروءة، ص: 46

الطرقات أو مراقباً في البلدية لتنظيف الشوارع و الأزقة مما ينافي المروءة.

و أوضحت الروايات الشريفة بأن السفلة و العبيد لا مروءة لهم، و نصحت بعدم مشاركتهم و ائتمانهم قال الإمام الصادق (عليه السلام): (يا عمار إن كنت تحب أن تستتب لكَ النعمة و تكمل لكَ المروءة و تصلح لكَ المعيشة فلا تشارك العبيد و السفلة في أمرك، فإنك إن ائتمنتهم خانوك و إن حدثوك كذبوك و إن نكبت خذلوك و إن وعدوك أخلفوك) «1».

رجوع المروءة لمن خرمها

ان خارم المروءة لا بد له من التوبة و

الاستبراء، و اختلف الفقهاء في المدة الزمنية التي ترجع المروءة لمن خرمها و أسقطها، قيل يُستبرأُ حاله سنة واحدة، لأن للفصول الأربعة في تهيج النفوس بشهواتها أثراً بيناً فإذا مضت و هو علي حاله أشعر بذلك بحسن سريرته، و قيل ستة أشهر و قد هجر مما يخرم أو يسقط المروءة، و قيل خمسين يوماً كما في قصة كعب، و قيل ليس لذلك حداً محدوداً بل المدار علي وجود القرائن الدالة علي صدق مدعاه في توبته، و لكن لا يكفي في ذلك ساعة و لا يوم، و يختلف ذلك

______________________________

(1) الكافي: 2/ 640، وسائل الشيعة: 12/ 30.

أفضل الدين - المروءة، ص: 47

باختلاف الجناية و الجاني و الزمان و المكان «1»، و الراجح من هذه الأقوال هو الاطمئنان من التائب بأنه لا يسقط مروءته بعد توبته و ذلك من خلال تحديد العرف له بالاستقامة العرفية.

المروءة في الفقه الإسلامي

اشارة

بحث الفقهاء المروءة في عنوان العدالة «2»، فمنهم من اشترط المروءة في العدالة مطلقاً و آخرون نفي ذلك مطلقاً، و الرأي الثالث اشترط المروءة في متعلق العدالة في مورد معين دون مورد آخر، كما اختلف الفقهاء الذين اعتبروا المروءة في العدالة علي أنها شرطاً أم شطراً منها.

______________________________

(1) فتح الباري: 11/ 33، فتح المعين: 4/ 338.

(2) العدالة: كيفية نفسانية راسخة تبعث علي ملازمة التقوي و المروءة، جامع المقاصد: 5/ 153، قواعد الأحكام: 3/ 494.

أفضل الدين - المروءة، ص: 48

الاتجاه الأول: اشتراط المروءة في العدالة:

اشارة

ذهب جملة من الفقهاء المتأخرين إلي اعتبار المروءة في العدالة كما هو المحكي عن المحقق البهبهاني في شرحه للمفاتيح، و الشيخ الطوسي في المبسوط، و ابن حمزة في الوسيلة بقوله: (المسلم الحر تقبل شهادته إذا كان عدلًا في ثلاثة أشياء الدين و المروءة و الحكم، فالعدالة في الدين الاجتناب من الكبائر و من الإصرار علي الصغائر، و في المروءة الاجتناب عمّا يسقط المروءة من ترك صيانة النفس و فقد المبالاة) «1»، و العلامة الحلي و الفاضل في كتبه في الفروع و الأصول و الشهيد الأول و المحقق الثاني و صاحب المعالم و روض الجنان «2»، و عن صاحب البحار و الرياض أنه المشهور، و عن الذخيرة و المدارك نسبته إلي المتأخرين، فصاحب غنائم الأيام اشترط المروءة في تعريف العدالة بقوله: (إنها ملكة نفسانية تبعث علي التقوي و المروءة) «3». و اختار صاحب مسالك الأفهام عدم قبول شهادة من لا مروءة له بقوله: (من أن طرح المروءة إما أن يكون لخبل أو نقصان أو قلة مبالاة و حياء و علي التقديرين يبطل الثقة و الاعتماد علي قوله: إما الأول فظاهر و إما قليل الحياء فمن لا حياء له

يصنع ما شاء كما ورد في الخبر).

______________________________

(1) الوسيلة: 230.

(2) روض الجنان: 289.

(3) غنائم الأيام: 2/ 31.

أفضل الدين - المروءة، ص: 49

و في الذخيرة و الكفاية دعوي الشهرة في اعتبار المروءة في عدالة الشاهد و إمام الجماعة بل عن الماحوزية نقل حكاية الإجماع علي ذلك، و عن مجمع البرهان أنه احتمل الإجماع علي اعتبارها في غير مستحق الزكاة و الخمس «1»، بل في الذخيرة أيضاً، و ظاهر المفاتيح أنّ المشهور جعلها جزءاً في مفهوم العدالة. و المحكي عن الأشهر اعتبار المروءة في الشهادة «2»، و المشهور علي انها شطر في العدالة، و قيل هي خارجة عن العدالة لكنها شرط في قبول الشهادة كالعدالة. و قد جمع العلامة الحلي في قواعد الأحكام بين الأمرين فجعلها جزءاً من العدالة ثمّ جعلها شرطاً آخر كالعدالة لقبول الشهادة «3»، و كأنه للإشارة إلي اعتبارها في قبول الشهادة سواء اعتبرت شطراً للعدالة أم لا.

و المشهور عند فقهاء أهل السنة اعتبار المروءة «4» في العدالة، جاء في حاشية الدسوقي من كتب المالكية: (و إنما اشترطت المروءة في العدالة لأن من تخلق بما لا يليق و إن لم يكن حراماً جرّه ذلك

______________________________

(1) مجمع البرهان: 12.

(2) جامع المقاصد: 5/ 153.

(3) قواعد الأحكام: 3/ 394، جواهر الكلام: 13/ 301، النور الساطع: 2/ 262.

(4) إعانة الطالبين: 3/ 343، حاشية الدسوقي: 4/ 166، مواهب الجليل: 8/ 163، شرح الكبير: 12/ 42.

أفضل الدين - المروءة، ص: 50

غالباً لعدم المحافظة علي دينه و اتباع الشهوات) «1».

و اعتبر ابن نجيم الحنفي المروءة في عدالة المفتي «2». و اشترط صاحب فتح الملك العلي من علماء أهل السنة بأن العدالة لا تكون كاملة إلَّا باشتراط المروءة. فالعدالة من دون مروءة تعد عدالة

ناقصة عند كلامه عن عدالة الراوي «3».

و قد أجمع علماء أئمة الحديث اشتراط المروءة في عدالة الراوي «4»، قال ابن صلاح: (أجمع جماهير أئمة الحديث و الفقه علي أنه يشترط فيمن تحتج بروايته أن يكون عدلًا ضابطاً لما يرويه، و تفصيله أن يكون مسلماً بالغاً عاقلًا سالماً من أسباب الفسق و خوارم المروءة متيقظاً غير مغفل حافظاً أن حدث من حفظه ضابطاً لكتابة إن حدث من كتابه) «5».

و قد اشترط الغزالي من علماء الشافعية المروءة في تعريف العدالة بقوله: (العدالة هيئة راسخة في النفس تحمل علي ملازمة

______________________________

(1) حاشية الدسوقي: 4/ 166.

(2) البحر الرائق: 6/ 443.

(3) فتح الملك العلي: 83.

(4) معرفة الثقات: 1/ 135.

(5) مقدمة ابن صلاح: 84.

أفضل الدين - المروءة، ص: 51

التقوي و المروءة، و قد شرط في العدالة التوقّي في بعض المباحات القادحة للمروءة نحو الأكل في الطريق) «1».

الأدلة علي اعتبار المروءة في العدالة

1- صحيحة ابن أبي يعفور المتفق علي العمل بها، و التي رواها الصدوق بسند صحيح في كتابه (من لا يحضره الفقيه)، و رواها الشيخ الطوسي في الاستبصار و التهذيب بسند غير صحيح لوقوع الحسن بن علي في سندها و قد ضعفه ابن الوليد و النجاشي و العلامة الحلي لأن حاله مهمل في الرجال بخلاف سندها في (من لا يحضره الفقيه)، و أما المتن فهنالك تفاوت بسيط في بعض ألفاظ الرواية المنقولة في كتب الحديث.

و أنقل الرواية علي ما جاءت في كتاب (من لا يحضره الفقيه) و هي:

قال ابن أبي يعفور: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) بمَ تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال (عليه السلام): (أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان،

و تعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر، و الربا و الزنا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف

______________________________

(1) المستصفي: 125.

أفضل الدين - المروءة، ص: 52

و غير ذلك، و الدلالة علي ذلك كله أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنَّ و حفظ مواقيتهنَّ بحضور جماعة من المسلمين، و أن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلَّا من علة، فإذا كان كذلك لازماً لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته، قالوا: ما رأينا منه إلَّا خيراً مواظباً علي الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين و ذلك أن الصلوات ستر و كفارة للذنوب) «1».

فقوله (عليه السلام): (أن يعرفوه بالستر و العفاف و كفَّ البطن و الفرج و اليد و اللسان) حيث تدل هذه الفقرة علي وجود حالة عفة في النفس بها يقدر الشخص علي التحفظ عن القبائح مطلقاً الشرعية أو العرفية دون خصوص القبائح الشرعية لوجود الأخلاق، بل لعل من عطف اجتناب الكبائر يستفاد إن المراد منها هو الستر و العفاف عن القبائح العرفية الذي هو عبارة عن المروءة، مضافاً إلي أن ارتكاب خلاف المروءة عيب لم يستر فهو مضر بالعدالة، أما الصغري فبالعرف، و أما الكبري فلقوله (عليه السلام): (و الدليل علي ذلك كله أن يكون ساتراً لعيوبه) الشامل للعيوب الشرعية

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ج 1، كتاب الشهادات، باب 41.

أفضل الدين - المروءة، ص: 53

و العرفية لكونه جمعاً محلي باللام و هكذا قوله

(عليه السلام) السابق: (أن يعرفوه بالستر)، و لو سلمنا أنّ الستر ليس بعيب إلَّا أنه كاشف عن عدم كونه ساتراً لعيوبه، و قد دلت الرواية علي اشتراط ستر العيوب.

و الاعتراض علي الدليل

إن المذكور في الرواية كاشف عن العدالة فهو لا يدل علي اعتبار ذلك في العدالة إذ المكشوف قد يوجد بدون الكاشف. و لم يكن الظاهر من سؤال السائل و لا من جواب الإمام (عليه السلام) حصر الكواشف عن العدالة.

فإن قلت: لو لم يكن ترك منافيات المروءة داخلًا في العدالة لاقتصر الإمام علي جعل الكاشف اجتناب الكبائر فإنه طريق أسهل.

قلنا: لا نسلم أسهلية ذلك فإن اجتناب الكبائر ليس بالسهل الاطلاع عليه بخلاف ترك منافيات المروءة، فإنه من السهل الاطلاع عليها لأبسط الناس.

2- استدل المحقق الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف البحراني اعتبار المروءة في العدالة بما روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في

أفضل الدين - المروءة، ص: 54

حديث هشام بن الحكم من: (أن من لا مروءة له لا دين له، و من لا عقل له لا مروءة له) «1».

اعتراض:

لا ريب إن من لا مروءة له ليس بخارج عن الدين، فلا بد من حمل الرواية علي نفي الكمال الحاصل بالعدالة لأنه أقرب المجازات الممكنة فيكون نظير (لا صلاة لجار المسجد إلَّا في المسجد)، و يؤيده أن المروءة لا تعتبر في أصل الدين إجماعاً، مضافاً إلي ضعف الرواية، فإن المراد بالرواية هو الحث و الحض علي المروءة.

3- خبر عثمان بن سماعة في علامات المؤمن و هو: (من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروءته و ظهر عدله و وجب أخوته) «2».

اعتراض:

إن قوله (عليه السلام): (كملت مروءته) ليس المراد منها المروءة عند الفقهاء قطعاً، و ذلك أنّ الظلم و الكذب محرمان يخلّان بأصل العدالة، و كذا خلف الوعد بناء علي كونه من الكذب، فإذن ليس

______________________________

(1) أصول الكافي: 1/ 19/ الطبع الجديد/ ج 12/ كتاب العقل و الجهل، الحدائق الناضرة: 10/ 17.

(2) وسائل الشيعة/ الباب 11/ من أبواب صلاة الجماعة/ ج 9.

أفضل الدين - المروءة، ص: 55

المراد من المروءة في الخبر ما ذكره الفقهاء في معناها لغة و اصطلاحاً.

4- قول أمير المؤمنين (عليه السلام) جواب سؤال جوبرية عن الشرف و العقل و المروءة: (و أما المروءة فإصلاح المعيشة) «1».

5- و روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول اللّه (ص): (ستة من المروءة ثلاثة منها في الحضر، و ثلاثة منها في السفر، فأما في الحضر فتلاوة القرآن و عمارة المسجد و اتخاذ الأخوان، و أما التي في السفر فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللّه) «2».

6- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (المروءة و اللّه أن

يضع الرجل خوانه بفناء داره، و المروءة مروءتان: مروءة في الحضر، و مروءة في السفر، فأما في الحضر فتلاوة القرآن، و لزوم المساجد و المشي بين الأخوان في الحوائج، و النعمة تري علي الخادم تسر الصديق و تكبت العدو، و أما في السفر فكثرة الزاد و طيبه و بذله، و كتمانك علي القوم أمرهم بعد مفارقتك، و كثرة المزاح في غير ما يسخط اللّه).

اعتراض:

______________________________

(1) روضة الكافي: 241، الرقم 331.

(2) وسائل الشيعة/ باب 49/ أبواب آداب السفر/ الحديث (12)/ كتاب الحج.

أفضل الدين - المروءة، ص: 56

هذه الروايات التي ذكرت المروءة بهذا المعني غير ما ذكرها الفقهاء قطعاً، علي أنها لا دلالة فيها علي اعتبارها في العدالة.

7- ما روي عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام): (من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له) «1».

8- و عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام): (الحياء من الإيمان و لا إيمان لمن لا حياء له) «2».

استدل الشهيد الثاني بهذا الخبر علي عدم قبول شهادة من لا مروءة له بقوله: (من أن طرح المروءة إما أن يكون لخبل أو نقصان أو قلة مبالاة و حياء و علي التقديرين يبطل الثقة و الاعتماد علي قوله: أما الأول فظاهر، و أما قليل الحياء فمن لا حياء له يصنع ما شاء) كما ورد في الخبر.

9- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من لم يبالِ ما قال و ما قيل فيه فهو شرك الشيطان) «3».

إن هذه الأخبار و غيرها الواردة في هذا المضمون تدل علي أن عدم المبالاة و عدم الحياء عبارة عن عدم المروءة أو ملازم لها فإذا كان يجوز الغيبة معه فهو معتبر في العدالة، لأن العادل لا تجوز غيبته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة/ باب

110/ من أبواب احكام العشرة من كتاب الحج.

(2) المصدر نفسه: 110/ من أبواب احكام العشرة من كتاب الحج.

(3) المصدر نفسه: 110/ من أبواب احكام العشرة من كتاب الحج.

أفضل الدين - المروءة، ص: 57

اعتراض:

إن العادل إذا تجاهر بشي ء جازت غيبته، فيجوز أن يكون عادلًا و لكنه لما ارتكب خلاف المروءة بفعل شي ء غير مستحي من الناس جازت غيبته في ذلك الشي ء لتجاهره به. و أما رواية (لا إيمان لمن لا حياء له) و ما بعدها فهي نظير (لا دين لمن لا مروءة له) علي نفي الكمال و الحث و الحض علي الحياء، أو أن المراد من الحياء في الخبر و نحوه هو الحياء من اللّه عزَّ و جل لا الحياء في الأمور العرفية و الاعتيادية، و من الواضح أن من لا يستحي من اللّه سبحانه فيه اقتضاء أن يفعل ما شاء، و عدم الحياء بهذا المعني الظاهر من الخبر ينافي العدالة بل هو كفر بالله عزّ و جل و هذا معني (من لا حياء له لا دين له).

10- إن من لا يجتنب عن المعايب العرفية لا محالة لا يستحي من الناس، و من لا يكون كذلك لا يستحي من اللّه سبحانه و تعالي «1».

و يرد علي هذا الاستدلال بأن هذا الدليل أضعف من سابقه لأن من لم يبالِ بالناس قد يكون جهة توجهه التام إلي اللّه سبحانه فلا يري شيئاً غيره حيث محَّض نفسه في اتباع أوامره و نواهيه، فكيف يقال: إن من لا يستحي من الناس لا يستحي من اللّه؟ و لا سيما إذا انضم إليه أن ارتكاب المباح ليس بمعصية.

______________________________

(1) الرأي السديد: 111.

أفضل الدين - المروءة، ص: 58

11- حديث البرذون حيث جاء فيه:

(لا أقبل شهادته لأني رأيته يركض علي برذون) ادعي بعض الفقهاء الملازمة بين المروءة و التقوي «1».

اعتراض:

إن دعوي التلازم بين المروءة و بين التقوي ممنوعة أشد المنع، فإن أولياء اللّه يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة.

12- إن فاقد المروءة غير مرضي الشهادة عرفاً فلا يدخل في قوله تعالي: [مِمَّنْ تَرْضَوْنَ] «2».

اعتراض:

روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هذه الآية المباركة، قال: (ممن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه، فما كل صالح مميزاً و محصلًا، و لا كل محصل مميز صالح) و الظاهر أنه أجنبي عن محل الكلام، لأنه ساكت عن الأمور المتعارفة بين الناس و سلوكه في المجتمع بحسب العادات و الأخلاق العرفية المتبعة.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 13/ 303.

(2) سورة البقرة، آية: 282.

أفضل الدين - المروءة، ص: 59

13- الإجماع المدعي في الماحوزية، كما أن مجمع البرهان احتمل الإجماع علي اعتبار المروءة في غير مستحق الزكاة و الخمس.

اعتراض:

إن الإجماع غير ثابت، بل نقل عنه نفسه أنه قال: ليس يبعد عدم اعتبارها لأنه مخالفة للعادة لا للشرع، و هو ظاهر في عدم ثبوت الإجماع عنده «1».

14- دعوي الاحتياط بأنه قاضٍ بالمروءة في العدالة.

و يرد عليها بأن الاحتياط غير منضبط، فقد يكون فيه، و قد يكون في عدمه، كمعاني العدالة.

15- إن من لا مروءة له لا ثقة به فلا يجوز الاستفتاء منه.

اعتراض:

يمكن حصول الوثوق به مما عنده ملكة اجتناب الكبائر الموجبة لاجتنابه الفتوي بدون اجتهاد أو الفتوي بخلاف ما أدي إليه رأيه لأن ذلك من أعظم الكبائر.

16- أصالة عدم ترتب أحكام العدالة علي فاقد المروءة بعد عدم الوثوق بإطلاق يتناوله.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 13/ 303.

أفضل الدين - المروءة، ص: 60

اعتراض:

لا مجال لهذا الأصل بعد سكوت صحيحة ابن أبي عمير عن اعتبار المروءة، إذاً لو كانت شطراً من العدالة لذكرت في الصحيحة، مع كون الإمام (عليه السلام) في مقام بيان العدالة و خصوصياتها لا سيما بناءً علي القول بالحقيقة الشرعية للفظ (العدالة) و حينئذٍ يكون الأصل في اعتبار شي ء زائدٍ علي ما في الصحيحة هو العدم.

و ليس هذا الشك في الاعتبار مسبباً عن الشك في مفهوم العدالة، و لو سلم فإن هذه السببية شرعية و المرجع فيها هو الشرع، فلما كان الوضوء سبباً شرعياً لحصول الطهارة كان علي الشارع بيان الوضوء فإن الشك في جزئية شي ء فيه و لم يذكره كان الأصل عدم الجزئية.

17- احتمال أنَّ العدالة من الحقيقة الشرعية فما شك في اعتباره فيها و هي المروءة ينبغي أن يعتبر لأصالة عدم تحقق الشرط بدونه.

اعتراض:

إن الأخبار أظهرت ما يراد من العدالة، مع أن ذكرها في مقام البيان كالصريح في نفي اعتبار أمر زائد فيها.

أفضل الدين - المروءة، ص: 61

18- ذهب معظم الفقهاء إلي إن ارتكاب خلاف المروءة يضر بالعدالة و هو و إن لم يكن مما حرمه الشارع إلَّا أنه بحسب العرف يعد نقصاً و هو يختلف باختلاف البلاد، فاعتبار المروءة في العدالة، و هذا يفيد الظن، و الظن حجة في تشخيص معاني الألفاظ و لذا قيل بحجية قول اللغوي.

اعتراض:

أن المانعين من اعتبار المروءة في العدالة يعارضون المعتبرين، مضافاً إلي عدم حجية الظن المذكور، و لذا يرجع العلماء إلي علامات الحقيقة لا إلي قول اللغويين، و لو قلنا بحجية قول اللغوي فالمعتبرون ليسوا من علماء اللغة.

الاتجاه الثاني: عدم اعتبار المروءة في العدالة:

اشارة

حكي انكار كون المروءة في العدالة عن الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي في العدة و صاحب الرياض و الفاضل الأردبيلي و السيد في المدارك، و إليه ذهب المرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني و حكي عن المحقق الحلي في الشرائع و النافع، و العلامة الحلي في الإرشاد و ولده في الإيضاح و إنهم لم يذكروا اعتبار المروءة في العدالة، و ذكر صاحب الذخيرة أنه لم يجد اعتبارها في كلام من تقدم علي العلامة الحلي، و إنما هي مذكورة في كتب العامة و تبعهم العلامة الحلي علي ذلك و تبعه جماعة ممن تأخر عنه، و بعضهم

أفضل الدين - المروءة، ص: 62

فصل بين الشهادات و بين غيرها، فاعتبرها في الشهادات دون غيرها «1». قال صاحب الحدائق الناضرة (و الحق كما ذكره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين أنه لا دليل علي اعتبار المروءة في معني العدالة) «2».

جاء في كتاب غنائم الأيام (لا يشترط اجتناب منافيات المروءة و لعل ذلك لعدم إفادة دليلهم إلَّا وجوب اجتناب المعاصي، و ترك المروءة ليس بمعصية كما في المسالك) «3».

______________________________

(1) الشهادات: 71، النور الساطع: 2/ 262، الزبدة الفقهية: 4/ 160.

(2) الحدائق الناضرة: 10/ 16.

(3) غنائم الأيام: 4/ 168، مسالك الافهام: 1/ 423.

أفضل الدين - المروءة، ص: 63

الأدلة علي عدم اعتبار المروءة في العدالة

1- روي في أخلاق النبي (ص): (كان رسول اللّه (ص) يركب الحمار بغير سرج) «1»، و (عاد سعدا و أردف خلفه أسامة بن زيد و كان يجلس علي الأرض و يأكل علي الأرض) «2»، و (كان (ص) يحلب شاته و كان أنس رديف رسول اللّه (ص) عند رجوعهم خيبر) «3».

و دعوي عدم كون شي ء منها منافياً للمروءة مدفوعة بقوله تعالي حكاية عنهم [مٰا لِهٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعٰامَ

وَ يَمْشِي فِي الْأَسْوٰاقِ] «4».

اعتراض:

لا نسلم صدور ذلك منه بنحو ينافي المروءة و حاشاه صلوات اللّه عليه أن يرتكب ذلك، و قولهم ذلك لتخيلهم أن الرسول يجب أن يكون حكمه حكم الملائكة في عدم اتصافه بصفات الإنسانية. ثمّ أنه ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الزهد

______________________________

(1) بحار الأنوار: 6/ باب مكارم أخلاق النبي (8)/ طبعة 1379 ه، بحار الأنوار: 16/ 285/ طبعة عام 1379 ه/ باب مكارم الأخلاق/ الرقم 136، بحار الأنوار: 18/ 617- 618/ كتاب الصلاة.

(2) بحار الأنوار: 18/ 617- 618/ كتاب الصلاة.

(3) المصدر نفسه.

(4) سورة الفرقان، آية: 7.

أفضل الدين - المروءة، ص: 64

ما لو وقع في مثل هذا الزمان لكان أعظم منافٍ للمروءة بالمعني الذي ذكروه، مثل ما ورد في رقع جبته حتي استحيا من راقعها.

2- إن ارتكاب خلاف المروءة لا دليل علي أنه يضر بالعدالة و عدم أخذ منافيات المروءة في ماهية العدالة لعدم ورود نص صريح أو مؤذن باعتبار المروءة في العدالة، فعدم الدليل دليل العدم.

اعتراض:

قد عرفت أن المروءة معتبرة في حقيقة العدالة، و ذلك لأن الاستقامة و الاستواء عن ملكة هي العدالة في معناها اللغوي، و حيث أن الشارع المقدس يكون الاستواء و الاستقامة عنده بسلوك الصراط المستقيم الذي جعله للعباد، و هو إنما يكون بترك المحرمات و فعل الواجبات، كان اطلاق العدالة في لسانه المقدس يقتضي وجود ملكة تلازم فعل الواجبات و ترك المحرمات، و حيث إن الأشياء المنافية للمروءة كالأكل في الأسواق و المشي بدون وقار تنافي الاستقامة و الاستواء للشخص عند العرف العام فكان إطلاق العدالة في لسان الشرع يفهم منه الملكة المزبورة الملازمة للاستقامة عند الشرع و عند العرف، نظير ما إذا أطلق لفظ

(الكامل) بدون قيد في لسان الشارع فإنه يفهم منه الكامل عند الشارع و عند العرف، و بهذا ظهر لكَ فساد ما يظهر من غير واحد من أنها لو وجدت في كلام الشارع أو أحد أوصيائه (عليهم السلام) لم تحمل علي

أفضل الدين - المروءة، ص: 65

ملكة فعل الواجبات و ترك المحرمات و منافيات المروءة إلَّا أن تثبت الحقيقة الشرعية فإنه قد عرفت إنها تحمل علي ذلك بمجرد اطلاقها إلَّا أن تقوم قرينة من الشارع علي عدم إرادة هذا المعني منها كما يظهر أن الشارع لم ينقلها لمعني خاص غير المعني اللغوي.

إن قلت إن الظاهر لمن تتبع الأخبار و لاحظها إن معني العدالة عند الشارع و أوصيائه (عليهم السلام) غير معناها عند أهل اللغة إلَّا تري إلي صحيحة ابن يعفور حيث سأل الراوي فيها الإمام (عليه السلام) بقوله: (بمَ تعرف العدالة) فإن العدالة لو كانت عند الشارع هي معناها عند أهل اللغة و إن الشارع قد استعملها في ذلك لما سأل الراوي عنها.

قلت: السؤال لم يكن عن معني العدالة، و إنما هو عن طرق معرفتها كما يسأل السائل عن طرق معرفة الهلال و القبلة و نحو ذلك من الموضوعات الخارجية، و مقتضي ذلك إن معناها معلوم للسائل و إلَّا لكان عليه أن يسأل عن معناها لا عن طرق معرفتها بل عدم سؤاله عن معناها مع أن الشارع لم يُعرف عنه لها معني عنده يقتضي أن السائل كان يري أن معناها العرفي و الشرعي واحد.

أفضل الدين - المروءة، ص: 66

3- إن ارتكاب الصغيرة مع كونها من المعاصي غير منافٍ للعدالة إلّا مع الإصرار عليها فارتكاب خلاف المروءة أيضاً كذلك بالأولوية.

اعتراض:

إن الأولوية لا تتم عند من يقول بأن

خلاف المروءة من المعاصي و عند غيره لا اعتبار لهذه الأولوية لقيام الدليل عنده علي أخذ المروءة في العدالة.

4- إن مرتكب خلاف المروءة إذا لم يكن عادلًا فيقتضي أن يكون فاسقاً مع أنه لا يسمي فاسقاً بمجرد ذلك.

اعتراض:

إن الفاسق إن كان غير عادل فلا تأبه عن تسميته بالفاسق. و إن كان مرتكب الذنب فلا تسميه بالفاسق و تلتزم بالواسطة بين العدالة و الفسق.

أفضل الدين - المروءة، ص: 67

الرأي الراجح

إن العدالة في لسان الشارع مستعملة في معناها اللغوي غاية الأمر إن الاستقامة عند الشارع هو فعل الواجبات و ترك المحرمات بما فهمناه من الآيات الشريفة و الأخبار الجلية، و الاستقامة عند العرف هي عدم منافيات المروءة فإذا أطلقت في لسانه حملت علي الاستقامتين، و حيث إن ظاهر الوصف هو وجود ملكة عليه لذلك كان المفهوم من إطلاقها هو وجود ملكة علي الاستقامتين الشرعية و العرفية، و يؤيد ذلك و يؤكده الإجماعان اللذان نقلهما الفاضل المقداد و شارح الإرشاد، ففي الأول أنّ العدالة عبارة عن ملكة بإجماع العلماء، و في الثاني علي ما حكاه صاحب الرياض إن المعروف بين العامة و الخاصة إن العدالة بمعني الملكة.

إن منافيات المروءة منافية لمعني العدالة التي هي الاستواء و الاستقامة، فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بشي ء من الأشياء المنكرة عرفاً فلا ريب في عدم استقامته مؤيداً بما عساه يومئ إليه بعض النصوص في المروءة و إن لم تكن صريحة بالمعني الذي ذكره الفقهاء، بل قد يقال إن منافاتها تورث شكاً في دلالة حسن الظاهر علي الملكة أو علي حسن غيره مما يظهر منه، ضرورة كون المراد منه ما هو منكر في العادة و مستقبح فيها من دون ملاحظة مصلحة يحسن بها، كما في بعض الأمور الواقعة من بعض أولياء اللّه التي

أفضل الدين - المروءة، ص: 68

لا قبح فيها في العادة مع العلم بوجهها، نحو ما وقع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من ترقيع

المدرعة.

نعم، ارتكاب خلاف المروءة قد يوجب سقوطه عن أعين الناس بحيث يصير بذلك موهوناً، و لا إشكال إن هذا محرم من جهة هتكه لمقام العلماء إذا كان عالماً و مقام الإيمان إذا لم يكن منهم. كما لا يكون وقوع النادر القادح منافياً للمروءة و لا محرماً و لا مسقطاً للعدالة إلَّا فيما يصير له عادة.

أفضل الدين - المروءة، ص: 69

المصادر

1- القرآن الكريم.

2- الاختصاص/ الشيخ المفيد (ت: 413 ه)/ علي أكبر غفاري/ جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.

3- أدب الضيافة/ جعفر البياتي/ مؤسسة النشر الإسلامي/ ط 1/ 1418 ه.

4- أدب المجالسة/ يوسف بن عبد اللّه بن عبد البر النمري (ت: 463 ه)/ تحقيق: سمير حلبي/ دار الصحابة للتراث/ طنطا/ 1409 ه- 1989 م.

5- إعانة الطالبين/ الكبري الدمياطي (ت: 1310 ه)/ دار الفكر/ بيروت/ ط 1.

6- إغاثة اللهفان/ محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللّه ابن قيم الجوزية/ تحقيق: محمد حامد الفقي/ دار المعرفة/ بيروت/ ط 2/ 1395 ه- 1975 م.

7- الأم/ الشافعي (ت: 204 ه)/ دار الفكر/ بيروت/ ط 2/ 1403 ه.

8- الأمالي/ الشيخ الصدوق: (ت: 318 ه)/ قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة/ قم/ ط 1/ 1417 ه.

أفضل الدين - المروءة، ص: 70

9- بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي (ت: 1111 ه)/ مؤسسة الوفاء/ بيروت/ ط 2/ 1403 ه- 1983 م.

10- البحر الرائق شرح كنز الدقائق/ ابن نجيم المصري الحنفي (ت: 970 ه)/ تحقيق: الشيخ زكريا عميران/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ الناشر: محمد علي بيضون/ ط 1/ 1418 ه.

11- تاج العروس من جواهر القاموس/ محمد مرتضي الزبيدي (ت: 1205 ه)/ مكتبة الحياة/ بيروت.

12- تاريخ بغداد/ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت: 436

ه)/ دار الكتب العلمية/ ط 1.

13- تاريخ مدينة دمشق/ ابن عساكر (ت: 571 ه)/ تحقيق: علي شيري/ دار الفكر/ 1415 ه.

14- تحفة الأحوذي في شرح الترمذي/ المباركفوري (ت: 1353 ه)/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط 1.

15- تفسير سورة الحمد/ السيد الشهيد السعيد محمد باقر الحكيم (ت: 1424 ه)/ مجمع الفكر الإسلامي/ ط 1/ 1420 ه.

16- الجامع الصغير/ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911 ه)/ دار الفكر/ بيروت/ ط 1/ 1401 ه.

17- الجامع لأحكام القرآن/ أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت: 671 ه)/ دار إحياء التراث العربي/ مؤسسة التاريخ العربي/ بيروت/ 1405 ه.

أفضل الدين - المروءة، ص: 71

18- جامع المقاصد/ المحقق الكركي (ت: 940 ه)/ تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط 1/ 1408 ه.

19- جواهر الكلام/ الشيخ محمد حسن النجفي (ت: 1266 ه)/ نشره الشيخ علي الآخوندي/ دار الكتب الإسلامية/ مطبعة النجف/ النجف الأشرف/ ط 6/ 1382 ه.

20- حاشية الدسوقي/ شمس الدين بن عرفة الدسوقي (ت: 1230 ه)/ دار إحياء الكتب العربية.

21- الحدائق الناضرة/ المحقق البحراني (ت: 1186 ه)/ محمد تقي الإيرواني/ جماعة المدرسين/ قم.

22- حلية الأولياء/ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (ت: 430 ه)/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ ط 4/ 1405 ه.

23- الخصال/ الشيخ الصدوق (ت: 381 ه)/ علي أكبر غفاري/ مطبعة انتشارات إسلامي/ ط 1/ 1361 ه.

24- الدر المنثور/ السيوطي (ت: 911 ه)/ دار المعرفة/ ط 1/ 1365 ه.

25- الرأي السديد في الاجتهاد و التقليد/ ميرزا غلام رضا عرفانيان/ الطبعة الأولي/ مطبعة النعمان/ النجف الأشرف/ ط 1/ 1386 ه- 1967 م.

أفضل الدين - المروءة، ص: 72

26- رجال النجاشي/ أبو العباس أحمد بن علي النجاشي

الأسدي الكوفي (ت: 450 ه)/ طبع و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي.

27- روض الجنان/ الشهيد الثاني (ت: 966 ه)/ الناشر: مؤسسة آل البيت/ طبعة حجرية/ 1404 ه.

28- روضة الطالبين/ يحيي بن شرف النووي (676 ه)/ تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود و الشيخ علي محمد معوض/ دار الكتب العلمية/ بيروت.

29- روضة المحبين/ محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللّه (ت: 751 ه)/ تحقيق: محمد حامد الفقي/ دار المعرفة/ بيروت/ ط 2/ 1395 ه- 1975 م.

30- سبل السلام/ الإمام محمد بن إسماعيل الكحلاني (ت: 1182 ه)/ شركة مكتبة و مطبعة مصطفي الحلبي و أولاده/ مصر.

31- سير أعلام النبلاء/ الذهبي (ت: 748 ه)/ تحقيق: شعيب الأرناءوط/ مؤسسة الرسالة/ بيروت/ ط 9/ 1413 ه.

32- شرح أصول الكافي/ المحقق: مولي محمد صالح المازندراني (ت: 1081 ه).

33- الشرح الكبير/ عبد اللّه بن قدامة (ت: 620 ه)/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

أفضل الدين - المروءة، ص: 73

34- شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد (ت: 656 ه)/ تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم/ دار إحياء الكتب العربية/ مطبعة منشورات مكتبة آيه اللّه العظمي المرعشي النجفي.

35- شعب الإيمان/ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458 ه)/ تحقيق: محمد السعيد زغلول/ بيروت/ ط 1/ 1410 ه.

36- الشهادات/ السيد الكلبايكاني (ت: 1414 ه)/ دار القرآن الكريم/ مطبعة سيد الشهداء/ قم/ 1405 ه.

37- شيخ المضيرة أبو هريرة/ محمود أبو رية (ت: 1970 ه)/ دار المعارف/ مصر/ ط 3.

38- الصحاح تاج اللغة و صحاح العربية/ إسماعيل بن حماد الجوهري (ت: 393 ه)/ تحقيق: أحمد بن عبد الغفور عطار/ دار العلم للملايين/ بيروت/ ط 4/ 1407 ه.

39- صحيفة الإمام الحسين (عليه السلام)/ الشيخ جواد قيومي/ دفتر انتشارات إسلامي/

ط 1/ 1375 ه.

40- العلل و معرفة الرجال/ أحمد بن محمد بن حنبل (ت: 241 ه)/ تحقيق: د. وصي اللّه بن محمود عباس/ المكتب الإسلامي/ بيروت/ ط 1.

41- غنائم الأيام في مسائل الحلال و الحرام/ الميرزا أبو القاسم القمي (ت: 1221 ه)/ المحقق: عباس تبريزيان/ مكتب الإعلام الإسلامي/ فرع خراسان/ ط 1/ 1418 ه.

أفضل الدين - المروءة، ص: 74

42- فتح الباري في شرح صحيح البخاري/ شهاب الدين بن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)/ دار المعرفة للطباعة و النشر/ بيروت/ ط 2.

43- فتح المعين/ عبد العزيز المليباري الفناني الهندي (ت: 987 ه)/ دار الفكر/ ط 1/ 1418 ه.

44- فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي (عليه السلام)/ محمد بن صديق المغربي (ت: 1380 ه)/ محمد هادي الأميني/ مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام)/ اصفهان.

45- فتح الوهاب/ زكريا محمد أحمد زكريا الأنصاري (ت: 926 ه)/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط 1/ 1418 ه.

46- فقه السنة/ سيد سابق/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

47- قواعد الأحكام/ العلامة الحلي (ت: 726 ه)/ تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم المقدسة/ ط 1/ 1413 ه.

48- الكافي/ الشيخ الكليني (ت: 329 ه)/ تحقيق: علي أكبر غفاري/ الناشر: دار الكتب الإسلامية/ المطبعة: الحيدري/ ط 4/ 1365 ه.

49- كشف الخفاء و مزيل الإلباس/ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت: 1162 ه)/ دار الكتب العلمية/ ط 2/ 1408 ه.

أفضل الدين - المروءة، ص: 75

50- لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية/ عبد الوهاب الشعراني/ مصطفي البابي الحلبي و أولاده/ ط 2/ 1393 ه.

51- المبسوط/ شمس الدين السرخسي (ت: 483 ه)/ دار المعرفة/ بيروت/ 1406 ه.

52- مجمع البحرين/ الشيخ فخر الدين الطريحي (ت: 1085 ه)/ السيد أحمد الحسيني/

مكتب نشر الثقافة الإسلامية/ ط 2/ 1408 ه.

53- مجمع الفائدة و البرهان/ المحقق الأردبيلي (ت: 993 ه)/ جماعة المدرسين/ 1404 ه.

54- المجموع في شرح المهذب/ محي الدين ابن النووي (ت: 676 ه)/ دار الفكر.

55- المحاسن/ أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت: 274 ه)/ تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني/ دار الكتب الإسلامية.

56- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل/ المحقق النوري الطبرسي (ت: 1320 ه)/ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ ط 2/ 1408 ه.

57- معاني الأخبار/ الشيخ الصدوق (ت: 381 ه)/ علي أكبر غفاري/ مطبعة انتشارات اسلامي/ ط 1/ 1361 ه.

أفضل الدين - المروءة، ص: 76

58- معجم البلدان/ ياقوت الحموي (ت: 626 ه)/ دار إحياء التراث العربي/ ط 1/ 1405 ه.

59- المعجم الكبير/ سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (ت: 360 ه)/ تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي/ دار إحياء التراث العربي/ مكتبة ابن تيمية/ القاهرة/ ط 2.

60- معدن الجواهر و رياضة الخواطر/ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي/ تحقيق: السيد أحمد الحسيني/ قم/ ط 2/ 1394 ه.

61- معرفة الثقات/ الحافظ أحمد بن عبد اللّه العجلي (ت: 261 ه)/ مكتبة الدار بالمدينة المنورة/ ط 1/ 1405 ه.

62- المغني/ عبد اللّه بن قدامة (ت: 620 ه)/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

63- مغني المحتاج/ محمد الشربيني الخطيب (ت: 977 ه)/ دار إحياء التراث العربي/ 1377 ه.

64- مقدمة ابن صلاح في علم الحديث/ الإمام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهروزي (ت: 643 ه)/ تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عريضة/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط 1/ 1416 ه.

65- المكاسب/ الشيخ الانصاري (ت: 1281 ه)/ لجنة التحقيق/ مطبعة باقري/ قم/ ط 1/ 1415 ه.

أفضل الدين - المروءة،

ص: 77

66- من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق (ت: 381 ه)/ علي أكبر غفاري/ جماعة المدرسين/ ط 2/ 1404 ه.

67- الميزان في تفسير القرآن/ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت: 1402 ه)/ مؤسسة النشر الإسلامي.

68- ميزان الحكمة/ محمدي الريشهري/ المطبعة: دار الحديث/ الناشر: دار الحديث/ ط 1.

69- مواهب الجليل/ الحطاب الرعيني (ت: 954 ه)/ الشيخ زكريا عميران/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط 1/ 1416 ه.

70- النور الساطع في الفقه النافع/ آية اللّه العظمي الشيخ علي كاشف الغطاء/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف/ 1961 م.

71- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة/ الشيخ محمد باقر المحمودي/ مطبعة النعمان/ النجف الأشرف/ ط 1/ 1386 ه.

72- وسائل الشيعة/ الحر العاملي (ت: 1104 ه)/ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم/ ط 2/ 1414 ه.

73- الوسيلة إلي نيل الفضيلة/ ابن حمزة الطوسي (ت: 560)/ تحقيق محمد الحسون/ الناشر: مكتبة السيد المرعشي/ قم/ ط 1/ 1408 ه.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.